نحو إصلاح ديني جديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينتمي الإصلاح الديني عموماً إلى الوعي بضرورة تجديد الخطاب الديني للتلاؤم مع ما يستجد من الأحوال الدنيوية وذلك دون الإطاحة بالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها هذا الدين أو ذاك.

وهذا هو الذي يفسر لنا الإصلاح الديني المسيحي الذي قام به لوثر وكالفن والإصلاح الديني الذي قام به الأفغاني وعبده وعلي عبد الرازق.

فالأرض هي التي تفرض وعياً إصلاحياً للدين دائماً ودون توقف. وهذا الوعي الإصلاحي لا يمكن أن يصدر إلا عن نخبة معترف بانتمائها الى الحقل الديني.

وهذا هو الذي يؤكد انتماء المصلحين الدينيين الى المؤسسة الدينية، الذين يحافظون على هذا الاعتراف فيما يذهبون إليه من إصلاح؛ إذ إن الشرط الأول لكي يمارس المصلح الديني مهمته هو الاعتراف به من جمهور ما، حتى ولو عارضه جمهور آخر. فقد كان محمد عبده أزهرياً و مفتي الديار المصرية وظل معترفاً به رغم خصومه من السياسيين.

لماذا حاجتنا إلى الإصلاح الديني الإسلامي الآن؟ هناك سببان أساسيان يفرضان القيام بهذه المهمة ومترابطان: التغير العاصف في الحياة الاجتماعية والأخلاقية والمعرفية والسياسية، الذي غير من طبيعة الحاجات وطرق تلبيتها؛ فالعالم الإسلامي الراهن يعيش عصر انفجار الثورة المعلوماتية والمعرفية على مستوى الكوكب الأرضي كله، كما يعيش تغيرات عميقة في التواصل البشري والتأثير العاصف لروح العصر هذا.

والسبب الآخر هو وجود فئات اجتماعية محافظة ومناهضة للتغير، وفئات تجعل من التعصب الديني أيديولوجيا سياسية سلفية مناهضة لمبدأ الحياة الذي هو مبدأ السيرورة والصيرورة والتغير بل والتجاوز، إلى حد ينذر بخطر لا يستهان به.

ولما كان الاجتهاد والتأويل من قواعد الخطاب الديني فإن دائرة ضرورة الإصلاح الديني الإسلامي تكتمل بشكل تام.

لا شك أن استعادة خطاب الإصلاح الديني الإسلامي النهضوي أمر في غاية الأهمية لأنه ينطوي على اجتهادات كثيرة لاتزال ذات أهمية راهنة. فمبدأ قلب السلطة الدينية عند محمد عبده أصل من أصول الإسلام، والحكم عند الشيخ الأزهري هذا مدني من جميع الوجوه، وقد طور علي عبد الرازق هذه الفكرة في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» بنفي وجود دولة دينية في الإسلام.

ولهذا فالمصلح الديني الإسلامي الراهن، إذا ما أراد أن ينهض بالإصلاح، فسيجد أمامه زاداً مهماً يمكنه الاتكاء عليه. أجل، تحتاج المرحلة التي نعيشها إلى مصلح إسلامي يبدأ من حيث انتهى محمد عبده وعلي عبد الرازق في وقت تجتاح العالم الإسلامي حركات أصولية عنفية تنطلق من فكرة الدولة الدينية.

فضلا عن ذلك فإن العلوم الطبيعية والرياضية والإنسانية تشهد نمواً هائلاً وسريعاً، وهي العلوم التي تقود البشرية الآن نحو امتلاك العالم معرفياً. ولا يمكن أبداً رفض هذا التقدم العلمي بحجة تناقضه مع النص أو اختلافه مع المعرفة الموروثة.

ومسألة العلاقة بين العقل والنقل مسألة قديمة في تاريخ النقاشات الكلامية، كما هي مشكلة العلم والدين. وكان محمد عبده قد طرح، في حال وجود اختلاف، تفضيل العقل على ظاهر الشرع.

وكان الأفغاني قبله قد أكد ضرورة تأويل النص ليتطابق مع العلم. ليس من الحكمة اليوم أن نسمع شيخاً ينكر حقائق العلم دون رد فعل من العلماء الدينيين، بل يجب على الإصلاح الديني المنشود أن يبت هذه القضية بتاً نهائياً.

 

Email