نعم قادرون وسننتصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيرياليسون.. كيرياليسون.. كيرياليسون.. يا رب أرحم... يا رب أرحم ... يا رب أرحم، الكلمة الناعمة فى نطقها باللغة القبطية المصرية، تسمعها فى الملمات والأزمات، وفى مواجهة العنف الوحشي، وفى المحن الشخصية والجماعية .. كلمة تقال بكل محمولاتها الإيمانية ودلالتها المترعة بالإنسانية إزاء الأحزان جميعها، ليست فقط التى تواجه الإنسان القبطي المصري، وإنما تلك التي تعصف بأخوتهم المسلمين المصريين، وأيضاً للإنسانية جمعاء، ليس لدينا ما يمكن أن نقوله فى هذه اللحظة التاريخية المفتوحة على الوحشية والذبح وفيضان الدماء والأشلاء...

ومعها حزن عميق مؤلم بلا حدود على فتية ورجال أقباط أبرياء ذهبوا سعيا وراء الرزق فى بلد شقيق، لا يحملون فى أعطافهم وأحلامهم سوى إيمانهم وتسامحهم وسلامهم الداخلي، ومعهم قيمة العمل فى أرض المخاطر والذبح والقتل والموت الذي يترصدهم فى كل الأنحاء. يا لهم من فتية ورجال، أثروا الذهاب إلى دائرة الموت المعلن للجميع، حيث الرصاص والقنابل والصواريخ والنيران بلا حدود وانفجار للكراهية..

فتية ورجال شجعان ذهبوا إلى الأرض الخراب بحثًا عن العمل والرزق فى بيئة لا تحفل بالعمل المنتج والبناء والسكينة، وإنما زرع الخراب والموت، والحياة من خلال الدمار والأطلال والخرائب، ذهبوا ومعهم إيمانهم بالحياة والعمل هاربين من مخاطر الفقر وأشباح الجوع وغياب الأمل. ذهبوا مخاطرين بحياتهم هرباً من الموت فى الحياة وانعدام الفرص النادرة فى العمل، والمساواة، والتسامح والإخاء الوطني، والمحبة والحنان المشترك..

وكل القيم الجميلة والنبيلة التي عاش عليها آباؤهم وأجدادهم فى ظل الأمة الواحدة الموحدة حول مصر الدولة والمجتمع وتاريخ التعايش المجيد – بكل إيجابياته ومنحنياته الخطرة وسلبياته القاتلة -، نعم أنها الهجرة من الموت المعنوي والرمزي إلى الموت الوحشي على أيدي وحوش أسطورية لا تحمل سوى البربرية والتوحش إيديولوجية وعقيدة لها فى مواجهة الحياة ومن لا ينتمون إلى أفكارها الوضعية..

أنها قيم وإدراكات وسلوكيات وحشية لا يعرفها الإسلام العظيم – الرسالة السمحاء والقيم الفضلى الحاملة لحرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية للجميع بلا تمييز- الذي علمه لنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه فى سنته القولية والفعلية للمؤمنين به وبرسالته السمحاء. يا رب أرحم عبادك الذين يعيشون فى سلام ومحبة وتسامح مع أخوتهم المسلمين فى هذه المنطقة التى تحللت فيها القيم الجميلة والتسامح والأخوة والمساواة والمواطنة لصالح منطق التوحش الذي لا رادع له من عقيدة، أو قيم، أو ثقافة..

والذي انحسرت عنه الإنسانية كوجود ومعنى وقيمة عليا، وانكسر معه الحق فى الحياة ومعصومية الجسد والروح الإنسانية، المطلق الإنساني، كما علمنا ديننا الإسلامى العظيم. إن التوحش والبربرية والعنف الدموي الذى تمارسه داعش ونظائرها وأشباهها يهدف إلى إشاعة أقصى درجات ومستويات الخوف، ومعه كسر الإرادة الإنسانية للإنسان أيا كان لونه وعرقه ودينه ومذهبه وقوميته وثقافته ونوعه، التوحش وظيفة سياسية وعقائدية ضالة، من هنا التوحش والبربرية هما رسالة موجهة للإنسان لتطويعه..

وتحويله من مقام ومكانة الإنسان إلى مرتبة ما دون الإنسان، لأن الخوف يحطم الإرادة ويحول الإنسان إلى شئ ضمن الأشياء التي تحفل بها الحياة وتنكسر مع الخوف المعمم إرادة البناء والإبداع. أنه التوحش البربري الذي ينال وينتهك ويحتقر الحق فى الحياة، والحق فى حرية الإرادة الإنسانية، والحق فى التفكير والإبداع والرأي، إنها البربرية الساعية لقتل الحريات...

وتجعل من الخوف آلها وضعياً وثنياً يعبد من دون الله تعالى عز وجل – والعياز به من هكذا فكر وسلوك وحشي-، ويحول الحياة إلى موت مقيم فى الروح والفكر، أنه الخوف الذي يأكل الروح وفق فاسبندر. الدعوة التى ينطقها أشقاؤنا وأخوتنا فى الوطنية والتاريخ والإنسانية المصرية الأكثر رسوخا فى تاريخنا البشري فى مواجهة العنف، والموت، والأذى، والخوف..

يا لها من دعوة جليلة نحترمها ونقدرها، ونشاركهم الدعاء ضارعين لله عز وجل فى أن يرحمنا من هذه البربرية الجديدة التي تواجهنا، وعلينا جميعا نحن أبناء الإنسانية المصرية الأكثر عراقة ورسوخا فى تاريخ البشرية أن تنعقد إرادتنا نحن المصريين على مواجهة العنف والوحشية والبربرية والخوف.. سنقتل الخوف من البربرية داخلنا، لأننا جميعا مسلمين وأقباط مؤمنين بالله عز وجل، كل وفق دينه وعقيدته وإيمانه.

نعم قادرون على النصر إزاء الخراب الذي أشاعه نظام الفساد والجهل والتسلط وتحالفاته الخارجية التى كسرت إرادتنا الوطنية.. نعم قادرون على هزيمة الإرهاب والتوحش والبربرية ومن يقف وراءهم.

نعم قادرون وسننتصر.

 

Email