لماذا كسر الملك سلمان البروتوكول الملكي؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لدى السعودية أعراف وتقاليد ملكية راسخة تستند فيها إلى تاريخ طويل من الممارسة والتجربة. ولذلك كان استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في مطار الرياض هو كسر للتقليد المتبع.

واستثناء ملكي يحمل في مضامينه معاني كثيرة ليس اقلها أن الإمارات العربية المتحدة هي استثناء في العلاقة الاستراتيجية والمكانة الخاصة التي تحظى بها دولة الإمارات لدى السعوديين والملك سلمان شخصيا.

العالم العربي ينظر بارتياح للعلاقات الاستراتيجية بين السعودية والامارات. فهما في نظر الكثيرين المحور الذي يقود قاطرة التضامن العربي وترسيخ السلام والامن الاقليمي.

وكان التفاهم السعودي الإماراتي واضحا في مواقف البلدين من قضايا المنطقة، وللبلدين تأثير مهم من الناحية السياسية والاقتصادية، فهما الأول والثاني بالتوالي، من حيث حجم الاقتصاد في المنطقة، ويمتلكان تأثيرا إيجابيا في المنطقة، وتركز سياسات البلدين دائما على السلام والمصالحة وتجنيب المنطقة الصراعات، مما يجعل قبول دورهما ممكناً إقليمياً.

وتأتي زيارة الفريق اول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والوفد عالي المستوى الذي رافق سموه , والاستقبال الحافل والاهتمام الحكومي والشعبي الواضح رسالة قوية أن العلاقة بين السعودية والامارات تجاوزت الصيغ التقليدية وانتقلت الى مرحلة التنسيق الاستراتيجي كنقلة نوعية في العلاقات العربية - العربية.

كما أن الزيارة شهدت اهتماما شعبيا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وكان هناك وسم على توتير باسم (الشعب السعودي يرحب في محمد بن زايد) وشهد تفاعلا شعبيا عفويا يوضح ان عمق العلاقة ليس فقط في القنوات الرسمية بل حتى على المستوى الشعبي أصبحت متجذرة وعميقة.

التنسيق السعودي الاماراتي يهدف الى حماية النظام الاقليمي العربي خاصة بعد غياب مراكز ثقل رئيسة في العالم العربي. وترسيخ امن الخليج واستقراره. كما أن البلدين لهما موقف واحد استراتيجي تجاه دعم مصر وضمان استقرارها والأمن الداخلي فيها. وهذا التحالف الاستراتيجي ‪ واضح سواء على المستوى الاقليميي الخليجي او العربي.

فالدعم لمصر والوقوف الى جانب القيادة والشعب المصري قرار استراتيجي للبلدين لادراكهما أن مصر هي محور أساس لأي نظام عربي جديد. وهذا القرار مهم وسيكتب التاريخ عن هذا المفصل في مسار العالم العربي.

كما ان البلدين سياستهما تاريخيا وحاليا تقوم على الاعتدال ومواجهة نزعات التطرف والتعصب والارهاب والتشجيع على الحوار بين الحضارات والثقافات. هذا التنسيق والتجانس السياسي والشعبي بين البلدين وبالتنسيق مع مصر سيفرز عن مركز ثقل عربي يضمن المصالح العربية والاستقرار لدول المنطقة‬

والتجربة السعودية الإماراتية قد تلعب دورا مماثلا للتحالف الفرنسي الألماني، وهو الذي شكل عنوانا للمرحلة الأوروبية بعد الحرب الباردة، فقاد هذا التحالف القاطرة الأوروبية للوحدة، وإلى دور أوروبي في النظام العالمي. وهذا يعطي تجربة ممكن الاستفادة منها في كيفية التعاون الاستراتيجي بين دولتين يمكن لهما من صنع التأثير والتغيير في النظام الاقليمي.

ومن يعرف خفايا العلاقات السعودية الإماراتية يدرك أنها متينة وهناك تنسيق على أعلى المستويات في المواقف السياسية والتعاون الأمني بين البلدين. وسياسة السعودية ثابتة في هذا المجال وقد اكدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في استمرار السياسة السعودية على نفس النهج والثوابت.

ويجتهد كثيرون من خارج المنطقة في اعطاء تحليلات ليس لها علاقة بالواقع. ويتمادون في تحليلات سياسية مبنية على اجتهادات غير صحيحة. ويدعي بعض المحللين معرفتهم بمعلومات خاصة بينما سياسة المسؤولين في البلدين تترفع عن الرد والتعليق على هذه التقارير, باعتبار أنها لاتستحق الرد عليها أو حتى اخذها على محمل الجد.

وتأتي هذه الزيارة كرسالة واضحة بأن مشروع التحالف الاستراتيجي بين البلدين مستمر وقائم. بل وهناك توجه لتعزيز هذا التحالف وتطويره ليقوم على نظام مؤسسي ومنهجي بين البلدين.

ولهذا كانت الزيارة مهمة في توقيتها ومغزاها في حين أن استقبال الملك سلمان لولي العهد في المطار هو كسر للبروتوكول الملكي ولكنها رسالة واضحة وحاسمة. كما أن العلاقة والتفاهم الكبير بين الملك سلمان والشيخ محمد بن زايد يستند الى علاقة قديمة واحترام راسخ متبادل, وقد لمس كثيرون في الرياض عمق هذه العلاقة خلال زيارة الشيخ محمد.

السعودية والامارات علاقة استراتيجية شعبية وحكومية. وهي مرحلة مهمة ليس فقط لمستقبل مجلس التعاون بل على مستوى السلام والأمن الاقليميين. وهي تحتاج الى تطوير مؤسسي بحيث تنتقل العلاقة الى مرحلة مؤسسية تربط بين مؤسسات البلدين وتضع لها الانظمة التي تجعلها في منأى عن أي متغيرات.

 فالتاريخ يثبت دائما أن الذي يحمي أمن الخليج هم أبناء الخليج, ومهما جاءت محاولات خارجية لتخريب العلاقة فإن الخليجيين يدركون في اللحظات الصعبة أن المكتسبات التي لديهم من الصعب التفريط فيها, وأن هم الذين يصنعون تاريخ ومستقبل منطقتهم لأنهم الاجدر بذلك.

 

Email