عوالم العنف

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليست غيمة أو سحابة أو سماوات تهطل بالعنف ومفتوحة على مصراعيها بنيرانه ودمائه وأشلائه وضحاياه، وإنما العنف يتمدد في الحياة اليومية.. عنف الصور، وعنف النظام الاجتماعي، والسياسي، وعنف الكوابيس، وعنف الإعلام، وحيث الآمال مشوبة بالعنف.

وعنف التمني والعنف المضمر، وعنف النص، وعنف توظيف المقدس وتأويلاته، وعنف المدنس، وعنف الخطاب وعنف القول، وعنف الملامح والفعل.. حيثما تفكر وتتحرك وتتأمل ثمة عنف أياً كانت درجاته ونوعه وحدته أو نصوصه، أنها حياة العنف وعنف الحياة بلا نزاع. من مباريات كرة القدم، وغيرها من الألعاب الرياضية إلى عنف التظاهر السلمي وردات الفعل إزاءه، إلى عنف الرأي والرأي الآخر، والمحاورات والمساجلات ناطقة بالعنف.

فضاءات من العنف تظلل عوالمنا وتغشانا، وتشكل دولنا ومجتمعاتنا، وتتداخل في بنياتنا النفسية والذهنية وحساسيتنا وفي وعينا الجمعي، ولا وعينا، ولم يعد أي مجتمع أو جماعة أو إنسان بمنجاة من تدفقات العنف الكوني وموجات العنف الإقليمي، من حروب إلى جماعات مسلحة، إلى هيمنة العنف الإرهابي باسم التأويل الديني، أو العنف المذهبي، أو القبلي والعشائري والعائلي، إلى العنف الجنائي والخطابي واللفظي، وعنف الملامح وقسوتها.

والعنف الهيكلي في النظامين الاجتماعي والسياسي، وعنف الدولة وأجهزتها الإيديولوجية والأمنية، وعنف أجهزة الإعلام المرئي والمسموع.. عنف التوحش البربري باسم المقدس، والترويع، والقسوة، والغضب.. كل هذا العنف يحمل معه الخوف الذي يتمدد في كل مكان.. الخوف الذي يأكل الروح – إذا شئنا استعارة فاسبندر- والذي يتمدد في آفاق الحياة وتفصيلاتها، وكأننا أمام جحيم أرضي يدفعنا لليأس، وانسداد المسارات والآمال في حياة أكثر حرية وكرامة ومساواة، وإخاء، وسعادة وجمال.

من هنا لا نستطيع أن نفصل بين عنف الملاعب والألتراس وروابط مشجعي كرة القدم عن غيره من ظواهر العنف الاجتماعي والجيلي والسياسي والأمني في حياتنا بعد إجهاض العملية الثورية في مصر، وعدم قدرة محركيها وفاعليها على إحداث تغييرات بنيوية في الدولة والنظامين السياسي والاجتماعي، وفى تركيبة النخبة الحاكمة. ثمة عنف هيكلي ونظامي مرجعه أن بعضهم في أجهزة الدولة والنظام التسلطي ورجال الأعمال عادوا من دون أن ينسوا شيئاً، أو يفهموا شيئاً.

إن عنف الأجيال الجديدة الشابة هو تعبير وفعل ورد فعل على أشكال الإزاحة والاستبعاد الممنهج - بعضه بوعي والآخر بلا وعي - لكتلة شابة وحيوية وفياضة بالدينامية والفتوة -23.7% من سكان مصر من فئة الشباب حيث بلغ عدد الشباب في الفئة العمرية من 18-29 سنة، 20 مليون نسمة (51.1% ذكور و48.9 إناث) ترى أن من حقها أن تصوغ النظام والحياة والمستقبل المصري وفق تصوراتها ومصالحها، ولكن يحال بينها وبين أن تطرح مصالحها وتمثيلها وحضورها في بنية الدولة والنظام والحياة في دولة ومجتمع يشهد انفجارات سكانية أكبر من موارده وإمكاناته الراهنة والمنظورة – الزيادة السنوية في السكان 2.5% أي ما يعادل 2 مليون مولود وهو كارثي بامتياز-، وحيث ترتفع معدلات البطالة إلى 13.1% من قوة العمل بالدولة تتمثل في 3.1 ملايين عاطل وهي نسبة من الشباب من سن 18 إلى 29 عاماً، و80% من العاطلين من المؤهلات العليا.

والرقم غير الرسمي أكبر من ذلك بكثير. في واقع يسوده ارتفاع معدلات التضخم – والتضخم الركودي- على نحو أدى إلى انفجار اليأس والإحباط، وارتفاع معدلات الغضب والعنف في ظل غياب قنوات سياسية واجتماعية ومهنية وأسرية قادرة على استيعابه وإعادة توزيعه وتوجيهه على نحو منتج وخلاق وبناء.

Email