سلمت يمناك أبا خالد

ت + ت - الحجم الطبيعي

تأثر مشهد العطاء الإنساني في العقود الأخيرة، فالعطاء لم يعد مقصوراً على زكاة المال يقدمها الأغنياء للفقراء، ولا صدقات نقدية كانت أم عينية يعطيها الموسر الكريم إلى السائل والمحروم، كذلك لم يتوقف العطاء على ردة الفعل الإيجابية تجاه البشر المنكوبين من جراء الكوارث والحروب والنكبات، بل توسع وكبر نطاقه وتعددت موارده ووسائله وتطورت أهدافه واستراتيجياته...

وإن مما يؤكد هذه التحولات في رؤى ومناهج العمل الإنساني النبيل، ذلك الدعم الكبير الذي يقدمه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى المبادرات الدولية لاستئصال شلل الأطفال، فقد قدم سموه منحاً مالية بين عامي 2011 – 2013 ...

وبلغت 810 ملايين دولار لدعم هذه المبادرات. وقد جاءت هذه المساهمة الكريمة من سموه موثقة في كتاب «استئصال شلل الأطفال.. الجهود العالمية والشراكة الإماراتية»، كما أعلنت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام، أن هذه المنح كانت خطوة حاسمة لإكمال الدعم المالي لخطة الأمم المتحدة لتحقيق مجتمع إنساني خال من هذا المرض العضال...

فكانت مبادرات سموه تعزيزاً للدور الإماراتي للمنظمة الدولية في مكافحة الأمراض التي تمثل تهديداً خطيراً لاستقرار الحياة في داخل المجتمعات المنكوبة، بل وخارجها وفي موازاة ذلك أمر سموه بمنحة بلغت أكثر من نصف مليار درهم في عام 2009 لإنشاء معهد الشيخ زايد لتطوير جراحة الأطفال في المستشفى الوطني لطب الأطفال في العاصمة الأميركية واشنطن ..

وقد اعتبرت هذه المنحة على أنها أضخم مكرمة خيرية يتم تقديمها في مجال دعم جراحة طب الأطفال، كما جاء على لسان رئيس المستشفى وهدفت المنحة إلى تحقيق تحول شامل في رعاية الأطفال وصحتهم والعناية بهم من خلال إتاحة الفرص لارتياد آفاق جديدة في البحوث العلمية الموجهة تجاه هذا التخصص.

وقدم المستشفى منذ إنشائه الكثير من الخدمات الطبية منها علاجات وجراحات دقيقة لأكثر من 80 ألف طفل من اكثر من 50 دولة إلى جانب الأطفال الإماراتيين وشملت أمراض القلب والسرطان والعيوب الخلقية والأمراض الجينية الوراثية.

كما تأتي رعاية سموه السنوية لماراثون زايد الخيري كأبرز الدلائل على مواكبة التحولات الاستراتيجية في العمل الإنساني فقد أصبح هذا الماراثون مهرجاناً رياضياً عالمياً يتنقل كل عام بين المدن الكبرى في دول مختلفة، وأصبح له زخم إعلامي واضح وحشد جمع غفير من محبي رياضة المشي والجري في تظاهرة رياضية دولية يسخر ريعها بالكامل للعمل الخيري ولمعالجة أمراض وأوبئة مختلفة..

ففي مدينة نيويورك ذهب ريع الماراثون إلى البحوث العلمية لمعالجة أمراض الكلى أما في القاهرة فقد ذهب ريعه هذا العام لعلاج أمراض السرطان عند الأطفال.

وعندما اشتكى برنامج الغذاء العالمي من شح في ميزانيته الخاصة في توفير الغذاء للشعب السوري الذي أنهكته الحرب الطاحنة في بلاده، بادر سموه بالاتصال الشخصي بأمين عام الأمم المتحدة ليؤكد له دعم دولة الإمارات العربية المتحدة في توفير المواد الغذائية والأدوية والمعونات الإنسانية، ما يؤكد السعي الحثيث لإبراز دور الدولة والمجتمع الإماراتي في مجال المساعدات الإنسانية والإنمائية للدول والشعوب المحتاجة.

إن صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية يؤكد هذه التحولات في رؤى ومناهج العمل الإنساني، حيث يهدف الصندوق إلى دعم التوازن الحساس لنظم البيئة التي يعيش فيها البشر من خلال الدراسات والبحوث الموجهة لمشاريع الحفاظ على الأنواع الحيوانية والبيئية البيولوجية المناسبة لتكاثرها وحمايتها.

وفي صدر الإسلام أدرك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب قيمة هذا التوازن فيما ينقل عنه من قوله: «لو أن بغلة عثرت في أرض العراق لخفت أن يسأل عنها عمر».

وقد تفحص علماء تفسير القرآن المجيد قوله تعالى: «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم»، فخلصوا إلى أن هذه المثلية بين الإنسان ودواب الأرض وطيور السماء، تقتضي ألا يظلم الإنسان هذه الكائنات...

 ولا يؤذيها بل يرعاها ويعتني بها لضمان التوازن البيولوجي على الكوكب، بما يدعم استمرارية الحياة عليه، لأجل ذلك كله قدم الصندوق مساعدات مالية لأكثر من 1000 مشروع في أكثر من 70 دولة ساهمت في الحفاظ على مئات الكائنات الزاحفة منها والبرمائية واللافقارية والطائرة والنباتات والفطريات وغيرها. كما ساهم الصندوق في اكتشاف أنواع كثيرة من الكائنات الحية في البحار والأنهار والمحيطات..

وفي المناطق البرية النائية وساعد على توسيع الكم المعرفي لدى الخبراء والعلماء بهذه الأنواع، وتوزيعها والمخاطر التي تواجهها، فقدم الصندوق بذلك سعياً دولياً مشكوراً في المحافظة عليها وحمايتها من الانقراض المحتوم. إن عملاً كهذا لا يتصدى له إلا القادة الملهمون أصحاب الفكر النير والحدس العميق في فهم التوازن الخلاق بين ما يعيش على كوكب الأرض ومن يعيش عليها.

إن الدور الريادي الكبير الذي يقوم به سمو الشيخ محمد بن زايد في مجال الإغاثة والعمل الإنساني، يشهد له المجتمع المحلي والدولي وكافة المنظمات والهيئات والمؤسسات الإنسانية، كما يدركه تماماً اليتامى والأيامى والأرامل والعجزة والغارمين والمحتاجين والفقراء والمساكين، لترتفع الإيادي كلها إلى السماء «سلمت يمناك أبا خالد».. اللهم آمين.

 

Email