«لكي أكون طبيباً»

ت + ت - الحجم الطبيعي

«شو حلمك تكون يوم تكبر؟» سؤال كلاسيكي تظهر إجابته الحقيقية بعد سنوات طويلة من التحصيل الدراسي والجامعي، لكن هل تكون الإجابة مطابقة لأحلامنا وتوقعاتنا في الطفولة؟

«حلمي أن أكون طبيباً» قلتها بكل عفوية ولم يتجاوز عمري الثالثة عشرة حينها. حلم البالطو الأبيض والسماعة كان من جهة ومساعدة المرضى والتخفيف عنهم من جهة أخرى.

تخرجت في الثانوية العامة وبدأت مشوار السبع سنوات بعيداً عن الأهل والوطن من أجل تحقيق أحلام الطفولة ورد الجميل لوطن أعطى الغالي والنفيس لشعبه، ما يميز الطب عن غيره من المهن هو المقدرة على الدخول في أعماق النفس البشرية والكشف عن بعض من أسرار البدن اللامتناهية.

مهنة إنسانية تجمع بين العلم والأخلاق الفاضلة والرحمة، وأنبل ما فيها العلاقة الخاصة بين الطبيب والمريض والتي تتعدى حدود المرض والألم.

ومع بداية أول يوم عمل لي في البالطو الأبيض كانت المفاجأة.. ممرات مزدحمة بالمرضى، الأطباء في حركة مستمرة من مريض إلى مريض يطلبون الفحص تلو الآخر، الممرضات ينتقلون من غرفة إلى أخرى على عجل. لكن هل هذا هو الطب الذي حلمت به؟

في أحلامي الطبيب ذو تواضع كبير يتحلى بالصبر وهدوء الأعصاب والحلم في كل أحواله، كما يتحمل نرفزات المريض الذي قد يكون سريع الغضب، أو يكون كثير الأسئلة. في أحلامي الطبيب يقابل جميع الحالات بصدر رحب فالمريض بحاجة إلى من يعتني به لتخفيف ما يشعر به من الألم والهواجس المصاحبة للمرض..

والطبيب يلعب دوراً كبيراً في حياة الناس لا يقتصر على علاج المريض جسدياً فحسب، بل يجب أن يرتقي إلى أعلى مستويات الإصلاح الاجتماعي، وعليه أن يشارك في إصلاح المجتمع من خلال المريض الذي يعاود المرور عليه، وأن يكون الإصلاح جسدياً وعقلياً ونفسياً واجتماعياً.

استعذت من الشيطان وبدأت البحث في تخصصات الطب المختلفة لتحقيق أحلامي. وتحققت الأمنيات باكتشاف تخصص طب الأسرة.

تخصص يجمع بين الوقاية والعلاج، بين التوعية والتثقيف، بين الاستماع إلى المريض والتخفيف عنه. فهو يبنى على أساس متخذ من اختصاصات الطب المختلفة، ولكنه يكون وحدة واحدة متناسقة ملتحمة تجمع بين العلوم الإنسانية والسلوكية من ناحية، ومن ناحية أخرى بين العلوم البيولوجية السريرية المعروفة وتشتمل على علاج الأمراض والمشاكل الشائعة بين كل أفراد العائلة رجالاً ونساءً وأطفالاً..

والاكتشاف المبكر للعديد من الأمراض وذلك عن طريق الكشف العام والكشف الدوري كما تشتمل على متابعة وعلاج الأمراض بعد تشخيصها سواء كانت عضوية مثل السكري والضغط أو نفسية مثل القلق والاكتئاب. أربع سنوات كانت مدة التخصص. عشقت فيها كل سنة وحفظت فيها كل نصيحة واختزلت فيها أحلى الذكريات. وبمجرد انتهاء سنوات التخصص، انطلقت حاملاً شعلة طب الأسرة إلى أسعد شعب وأحلى وطن.

ولكي تبقى الشعلة متوهجة ولكي يستمر تخصص طب الأسرة في الطليعة قامت جمعية الإمارات الطبية (والتي منذ تأسيسها عام 1980 أخذت على عاتقها متابعة شؤون الأطباء في جميع التخصصات قدر الإمكان) مشكورة باتخاذ قرار إنشاء شعبة خاصة لأطباء الأسرة، تكون الحاضنة لطموحات وتطلعات هذه الكوكبة الرائعة من الأطباء.

من هذا المنطلق أدعو نفسي وجميع أطباء الأسرة في الدولة لضم الايدي ونثر روائع طب الأسرة على تراب أغلى الأوطان.

تمنياتي للجميع بأن تكون إجاباتهم عن سؤال المقال مطابقة لأحلامهم وكل عام وأنتم بخير!!

 

Email