الوحدة الوطنية وضرورات تجديد الفكر الديني

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما هي أبرز التحديات التي تواجه الدولة والنظام والمؤسسات الدينية والمجتمع المصري في المرحلة الحالية لعمليات الانتقال السياسي؟

أول هذه التحديات الهيكلية تتمثل في مشكلات تجديد بناء الاندماج القومي المصري أو تشكيل جديد للوحدة الوطنية بين جميع المصريين أياً كانت انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والدينية والمذهبية والعرقية والمنطقية، وبناء التلاحم الوطني ذي الوجه الإنساني في عالم يعصف بالتحولات الكبرى.

إن طرح هذه المشكلات المزمنة والممتدة مجدداً يعود لعديد الأسباب على رأسها، تحدي أزمة أبنية الأفكار والسرديات الكبرى، ثم تحدي التشظي والتذري والانقسامات الكبرى حول الهوية الجامعة، وانفجار الهويات، وصعود حركات الإسلام السياسي السلفي الراديكالي وفكر وإدارة التوحش، وأزمة الدولة الوطنية ما بعد الكونيالية – ولا أقول القومية - في الإقليم، وبروز ضعف هياكلها، وأجهزتها، والميراث المر للعنف ذي الوجوه والسند الديني إزاء الأقباط والمسيحيين في مصر والمنطقة..

وفشل استراتيجيات التكامل الوطني، وبناء الوحدة الوطنية على أساس استراتيجيات بوتقة الصهر من خلال توظيف أقصى درجات العنف والقمع المادي، والرمزي، وأحد أخطر نتائج هذا الفشل، بروز حواضن اجتماعية ومذهبية للجماعات السلفية الجهادية داعش والنصرة في العراق وسوريا وشمال لبنان، بالإضافة إلى جماعات العنف السياسي الأخرى.

لقد شكل توظيف النظام السياسي التسلطي في مصر للدين منذ ثورة 1952 إلى الآن إلى بناء سياسة دينية تقوم على تأميمه لصالح النظام واستخدامه في السياسات الاجتماعية، والخارجية، وفي دعم شرعية النظام والحاكم، وهو ما أدى إلى تداخل عضوي بين الدين والسياسة.

أصبح الإفتاء التأويلي والسياسي باسم الدين إحدى آليات بناء المكانة والذيوع والشهرة لدى الجمهور، وتحول التطرف لدى بعض رجال الدين إلى أحد أشكال المزايدة في الأسواق الدينية الوطنية والإقليمية والعولمية.

أدت هذه الأسباب والظواهر إلى تراجع دور المؤسسة الدينية الرسمية، وذلك لظهور منافسات وصراعات كبرى من خارجها من الإسلام السياسي، ودعاة الطرق، ودعاة الإعلام المرئي والقنوات الفضائية الدينية – سلفيين وسواهم - ودعم بعض الدول والمنظمات لهم..

والأخطر ظهور المؤسسات الدينية الافتراضية اللارسمية، والتي تتكون من مجموعات من الدعاة يتمحورون حول بعض المواقع الافتراضية، ومعهم السلفيات السياسية الجهادية للمنظمات الأكثر «تطرفاً» وارديكالية كالقاعدة وداعش والنصرة وسواهم. تحولت هذه المواقع إلى مراكز جذب وتأثير والهام لعناصر شابة تعاني من التهميش السياسي والاغتراب أو عدم الاندماج وينتابها الغضب والتمرد من النظم الشمولية والتسلطية.

لا شك أن هذه المتغيرات أدت ضمن أسباب أخرى إلى وهن سياسات الاندماج الوطني والوحدة الوطنية لاسيما بين بعض الأجيال الشابة المعزولة والمقصية عن المشاركة والاندماج السياسي وإضعاف تأثير المؤسسات الدينية الرسمية السنية في المنطقة.

لقد تمدد فكر الإسلام السياسي – الإخوان والسلفيين والجهاديين – ضمن المؤسسة الدينية الرسمية، لاسيما بين بعض الطلاب والأساتذة، ومن ثم شكلوا قوة ضغط على بعض المعتدلين والإصلاحيين داخلها، لاسيما بين قادة الأزهر الشريف، وعلى رأسهم الهجوم السياسي وغير المنصف على الأستاذ الإمام د. أحمد الطيب ذو التوجهات الإصلاحية الذي يواجه مشكلات مؤسسية وتعليمية منذ وفاة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت وإلى الآن.

تشكل أزمة السياسة الدينية في مجال الوحدة الوطنية والدولة الحديثة والمواطنة وحرية التدين والاعتقاد والحريات العامة والشخصية أحد أكبر العقبات في غالب الفقه والفتاوى والدعوة السائدة في المشاهد الدينية الإيديولوجية، والفقهية والدعوية التي تواجه الدولة، والأزهر والجماعات الدينية السياسية والسلفية.

لا شك أن هذه المتغيرات والظواهر الدينية والسياسية الجديدة، تشكل عوائق بنيوية أمام أي رؤية تجديدية تستطيع وصل ما انقطع بين تاريخ حركة التجديد في الفكر الديني المصري الأزهري وخارجه. من هنا يبدو من الأهمية بمكان درس مشكلات التجديد التاريخية والراهنة عموماً، وفي مجال الوحدة الوطنية، والدولة الديمقراطية الحديثة، وتاريخ أزماتها كمدخل لدراسة وتطوير الأفكار التجديدية، وللحديث بقية.

Email