الواقعية السياسية وليس الانفعالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل الأخبار السوداوية في المنطقة العربية من إرهاب وحروب وفشل، تأتي هذه المرة الأخبار الطيبة من الخليج.

فالتوجه السياسي الذي قاده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لصنع المصالحة الخليجية والتأسيس لشراكة بين دول مجلس التعاون ومصر يفتح نافذة الأمل لأعادة مشروع تضامن عربي مبني على أسس تكاملية ومصالح متبادلة وهذه الشراكة هي المعادلة التي تستطيع أن تملأ الفراغ الحاصل في الأمن الإقليمي العربي.

أهمية المشروع ليس في كونه مبادرة مصالحة وترميم علاقة سياسية. المشروع السياسي يذهب، كما يقول المحيطون بالتفاصيل، إلى أبعد من ذلك، فهي تسعى لبناء تكامل وتنسيق سياسي على أعلى المستويات.

وهناك إدراك كامل عند القادة العرب أن الوضع لايتحمل أي اجتهادات أو خلافات جانبية في ظل الفراغ الهائل في النظام العربي، ومعروف أن أي فراغ يتم ملؤه سواء بأصحاب المبادرة أو من أطراف ثانية تجدها مواتية لاغتنام الفرصة.

السياسة فعلها الأساسي هي بناء المنظومة التي تخدم أهداف ومصالح الدولة وتنعكس إيجاباً على مصالح ومنافع الناس. ولذلك العقلانية في السياسة هي المرجعية في العمل السياسي. وهذا يتطلب نضوجاً سياسياً يفهم المتغيرات في القوى الاستراتيجية والعلاقات الإقليمية بحيث تحقق الدولة مصلحتها وتبني ضمن نسيجها الإقليمي منظومة تربطها مصالح وعلاقات مؤسسية دائمة.

والمبادرة السعودية التي قادها خادم الحرمين، وهو رجل معروف بمشاريعه السياسة التي تهدف إلى لم الشمل ومصالح الشعوب، تصب في هذا الإطار.

فقمة الرياض التي أعادت قطر إلى الحضن الخليجي كانت واحدة من أهم الاجتماعات المصيرية لمنطقة الخليج. لأن انفراط مجموعة مجلس التعاون كان سيقود ليس فقط منطقة الخليج بل المنطقة العربية والاقتصاد العالمي إلى مصير لا يعرف أحد نتائجه. ولربما كانت المسمار الأخير في نعش النظام الإقليمي العربي.

المنطقة عانت كثيراً من المراهقة السياسية المبنية على شخصنة الأمور والقرار الانفعالي وهذه المراهقة قادت إلى حروب ونكبات على المنطقة العربية وخسائر بشرية واقتصادية هائلة.

كان الخطاب السياسي المبني على استغلال مشاعر الجماهير واللعب على عواطفهم والحروب الوهمية الكلامية كلها انكشفت حينما أدركت الشعوب أن المستوى المعيشي يتراجع وأن الأعداء مازلوا يحتلون الأراضي العربية ويتوسعون، وأن سياسة بيع الوهم انكشفت في لحظة المواجهة وسقطت أنظمة واهتزت عروش.

النضوج السياسي هو الذي يبني أرضية مشتركة للعلاقات الإيجابية بين الدول. والقادة الذين يعسفون السياسة لمصلحة الشعوب هم الذين يقدمون القواسم المشتركة فوق الخلافات الجانبية. والحصافة السياسة تجعل القائد السياسي يتجاوز المصالح الآنية والفردية لمصلحة المستقبل والمجموع.

المبادرة السعودية لصنع التكامل الخليجي المصري هو قرار ذو بعد استراتيجي يخدم المنطقة ككل ويجنبها الكثير من المصاعب. المشهد الدولي يوضح أن المنطقة العربية هي الأكثر فوضى الآن في العالم.

والقوى العظمى تجاوزت مشاكل المنطقة المزمنة إلى مشاريع ومصالح تجمع دول وقارات وتبني كيانات اقتصادية هائلة وازدهاراً اقتصادياً لشعوبها. وكأنهم تركوا مشاكل المنطقة لأهلها. ولذلك أهمية وجود منظومة عربية تضع الحد الأدني لتضامن عربي ونظام أقليمي هو العمل السياسي الحكيم والذي سيكتبه التاريخ مستقبلاً.

الإشكالية التي تحدث في المنطقة أن بعض الإعلاميين وطريقة طرحهم للقضايا الخلافية تقود المنطقة إلى الخلف. وهناك من الإعلاميين من يحاول أن يحقق بطولات نرجسية على حساب قضايا مصيرية. وبعضهم يحول أمور خلافية جانبية إلى قضايا خلافية مهمة. وهذه مسألة خطيرة خاصة في ظل الانفتاح الإعلامي كما أن الشعوب العربية شعوب عاطفية تتفاعل من «الدراما الإعلامية».

ولذلك كان تصريح خالد التويجري رئيس الديوان الملكي ومبعوث خادم الحرمين وهو المقل في الحضور الإعلامي مهماً في محتواه، إذ طالب بتكامل المواقف الإعلامية مع المواقف السياسية، وأنه من الخطأ استمرار الحملات الإعلامية المتبادلة لكي تعطى فرصة لنجاح المبادرة.

وهو محق في هذا الطرح لأن الخطورة أن يتكسب الإعلامي من الاستفادة من هذه التبيانات السياسية لمصالح شخصية. وكان التزام قناة الجزيرة بإغلاق قناة مباشر الجزيرة مصر رسالة واضحة أن هناك توجهاً لالتزام كامل بمشروع المصالحة والانتقال إلى مرحلة التعاون الاستراتيجي.

الخطوة التي يترقبها الكثيرون هي تدشين هذه المصالحة بقمة مصرية قطرية تقفل ملف الخلاف نهائياً، وتفتح الباب لمشروع استراتيجي خليجي مصري. ومن المهم لهذه المنظومة من منطلق العقلانية السياسية أن تتفاهم مع القوى الإقليمية الموجودة في المنطقة.

التفاهم السياسي مع القوى الإقليمية سيكون مؤثراً إذا انطلق من موقف قوة. وقوة العرب هي في وجود تضامن وتنسيق وشراكة كاملة بين قوى الاعتدال والواقعية. ودول الخليج في شكلها الجديد ومصر بعقمها العربي والإسلامي تضعان الأرضية لبناء هذه المنظومة القوية.

 والتي ستستوعب دول معتدلة ومهمة في المنطقة مثل الأردن والمغرب. ربما الأحداث التي وقعت في المنطقة هزت مسلمات كثيرة وواقعاً مشوها لكنه مستمر منذ فترة طويلة ولكن ربما الآن الفرصة مواتية لنقلة نوعية في العمل العربي المشترك منطلقه الواقعية السياسية وعلاقات المصالح والمنافع المتبادلة.

 

Email