هل يشفى الإرهابي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مرور ثماني سنوات على العملية الإرهابية التي استهدفت مصفاة بقيق شرقي السعودية، يعترف أحد المشاركين في العملية الأسبوع الماضي أمام المحكمة الجزائية في الرياض، بندمه، لأن مشاركته كانت محصورة في تصوير العملية، ولم يكن له مشاركة فعلية.

وأنه كان يبحث عن خلية إرهابية جديدة للانضمام إليها لتنفيذ أعمال انتحارية جديدة داخل السعودية.

ينشر هذا الخبر في الصحافة بعد يومين من مجزرة بيشاور في باكستان، والتي ذهب ضحيتها نحو 150 شخصاً معظمهم تلاميذ في المدرسة، والتي نفذتها حركة طالبان المتطرفة. وهي الجريمة التي هزت العالم لبشاعتها وبراءة ضحاياها وقساوة قلب منفذيها.

وكان العالم للتو انتهى من متابعة جريمة مقهى سيدني، واقتحام قوات الأمن الخاصة الأسترالية المقهى الذي كان يحتجز داخله متطرف عشرات الرهائن. أي صورة مشوهة يمكن تقديمها أفضل مما يقدمه هؤلاء المتطرفون عن الإسلام.

وأي فكر هذا الذي يقود هؤلاء المتطرفين إلى ممارسة القتل بقلب بارد ومشاعر ميتة. إلا تكفي الصور التي تبثها داعش عن مسلسل القتل اليومي لمسلمين وبمناظر مرعبة واستعراض مقيت وأسلوب هووليودي رخيص. وكل هذه الجرائم تمارس وتصور وتقدم تحت راية الإسلام.

وأصبح المسلم في كل مكان في العالم مضطراً أن يكون في موقع الدفاع، ليشرح أن الإسلام هو دين تسامح وسلام، ويوضح أن هؤلاء لا يمثلون الإسلام بشيء. وهكذا أصبح المسلم مبتلى بتهمة لا ذنب له فيها، يدفع ثمنها الجاليات المسلمة التي تعيش في الخارج، وكذلك الطلبة المبتعثين الذي يدرسون في الجامعات الأجنبية.

السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يرى شخص كل هذه المتغيرات ويتابع ما يحصل من جرائم من متطرفين. ويأتي ليقول بعد ثماني سنوات أنه يتمنى لو كانت له مشاركة فعلية في العملية الانتحارية؟!.

المجرم العادي الذي يرتكب جريمة سرقة أو قتل، نظراً لنزعته الإجرامية، يعود ليشعر بتأنيب الضمير، ويبحث عن حياة جديدة يتخلص فيها من ماضي يرغب في نسيانه. لكن، أن تجد من يقتل بدافع الفكرة ويرى ضحاياه ومعاناتهم، وتمضي سنون ويكون بنفس التوجه والرغبة في ممارسة القتل، فهذا شيء يخالف طبيعة الإنسان البشرية.

ويحتاج إلى دراسات في علم النفس والاجتماع متعمقة لتحليل هذه الظاهرة غير الطبيعية.

ودراسة قضية تجذر الفكر المتطرف في وجدان الإرهابي، ربما تسهم في إيجاد حلول لهذا الواقع المؤسف. وهناك تجربة تستحق التوقف عندها وتحليلها وتقييمها، وهو مشروع مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة.

وهو يهدف إلى إصلاح وعلاج الموقوفين من خلال تشكيل فريق لعلاجهم وإصلاحهم، بحيث يعودون إلى نسيج مجتمعهم ويندمجون فيه ويصبحون عناصر صالحة ضمن المجتمع، من منطلق أن الدولة تعتبرهم مواطنين، ولهم حق الرعاية والإشراف.

والمشروع فكرته يتبناها الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي، الذي كان هو نفسه ضحية محاولة لاغتياله من قبل متطرفين استقبلهم في بيته بهدف إصلاحهم واحتوائهم، لتكون إرادة الله أن تنفجر القنبلة الموضوعة داخل جسم الإرهابي، ويهلك فيها الإرهابي نفسه، ويكتب الله للأمير النجاة، ولله الحمد.

هذا البرنامج الذي ساعد هؤلاء، وقد تخرج منه نحو ثلاثة الآف شخص، كانت الدولة سخية، وسددت ما عليهم من ديون، وزوجت بعضهم وأمنت لهم مساكن.

لنرى بعضهم بعد خروجهم من المركز، وحصوله على كل هذه الميزات ليعود ويمارس الإجرام، ويشترك في عمليات إرهابية جديدة، ليتضح إلى مدى انعدام إحساس هؤلاء، لا يردعهم دين ولا خلق ولا معروف.

عودة هؤلاء إلى ممارسة الإرهاب، وبعضهم يقضي سنوات في هذا المركز ويسمع النصح من رجال دين يحاججونه ويفسرون له خطأ ما اقترفه، ويوضحون له الفكر السليم المعتدل.

شعر السعوديون بصدمة بعدما تعاطفوا مع السعودي مروان الظفر، وهو الذي خرج من المركز وتحدث في برنامج الثامنة في قناة الإم بي سي عن ظروف سجنه في العراق.

وقال إنه تم اعتقاله وهو في التاسعة عشرة من عمره، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات، وتحدث عن التعذيب والمعاناة. وأعطى انطباعاً بأنه لن ينجرف إلى هذا التيار التكفيري أبداً. ليفاجأ السعوديون والمسؤولون لاحقاً، أنه مشارك في حادثه الدالوة في الأحساء شهر نوفمبر الماضي.

وهي العملية الإرهابية التي خططت ونفذت بأوامر من داعش، والتي استهدفت حسينية في منطقة الأحساء في السعودية، المعروفة بالتصالح والوئام الاجتماعي بين مختلف أطيافها. وليس هنا الصدمة فقط، بل 32 من الذين قبض عليهم بعد حادثة الدالوة، وثبت تورطهم في علاقة من التنظيم الإرهابي، هم من الذين سبق أن أطلق سراحهم في أوقات سابقة بعد قضائهم أو انتظارهم لأحكام من المحكمة‬.

الأحداث التي وقعت تطرح أسئلة، حول كيفية محاربة هذا الفكر الأصولي، ومتى نضمن أن العنصر تخلص من الفكر التكفيري وعاد إلى سويته. وهل كنا في مبادراتنا لاستعادة هؤلاء وإعادة دمجهم في مجتمعهم متفائلين، وكنا نحسن الظن بهم. أسئلة تحتاج إلى إجابات أعمق؟!

 

Email