رسالة مجتمع وانتصار حضاري

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرار الشركة الإسرائيلية «صودا ستريم»، التي تأثرت نتائجها المالية بسبب المقاطعة، إغلاق مصنعها في الضفة الغربية الأسبوع الماضي، انتصار حضاري للمقاطعة الأوروبية للمنتجات التي تصنع في الضفة الغربية باعتبارها منطقة محتلة. الجميل في هذا القرار هو تأثير ضغط شعبي، يرى أن إسرائيل تحتل أراضي وتقيم مستوطنات ومصانع بطريقة غير شرعية.

وهي رسالة أن الاحتلال أمر مرفوض، ليس من الدول ولكن على مستوى الشعوب. فالشعوب الأوروبية لها موقف أخلاقي التزمت به، وتشكلت جماعات ضغط لمقاطعة المحلات التي تبيع منتجات إسرائيلية تصنع في الضفة الغربية. والمقاطعة ليست للصناعات فحسب، بل للمنتجات الزراعية التي تصدرها إسرائيل وتزرع في الضفة.

. ولم يقف الأمر عند المقاطعة، بل قامت مظاهرات أمام متاجر كبيرة في شارع أوكسفورد في لندن، بسبب بيعها لمنتجات هذه الشركة، مما أجبر هذه المتاجر على سحب كافة منتجات شركة صودا من رفوفها.

الحدث رغم تعامل الإعلام العربي معه بتجاهل وبتغطية صحفية بسيطة، إلا أنه يعكس رسالة مهمة، وهي أهمية التأثير الشعبي وقوة الرأي العام. الشعوب الأوروبية التي تبادر بالمقاطعة، لا تتخذ هذا القرار نتيجة توجيه حكومي, بل من منطلق موقف أخلاقي ومبادئ تطبقها وتلتزم بها،..

وليس فقط مثلا تتحدث عنها قولا وتتناساها فعلا. ومؤسسات المجتمع المدني التي لها قوة مؤثرة سياسية واجتماعية، تلعب دورا في توجيه الرأي العام، فالحركة التي تدعو لمقاطعة المنتجات الاسرائيلية المصنعة في الضفة الغربية..

هي مجموعة من عامة الناس بادرت وساهمت وأوصلت رسالتها للمؤسسات الإعلامية والاجتماعية، وأثرت في المجتمع. وشارك مع الحركة مشاهير وإعلاميون وسياسيون، بهدف إيصال رسالة أن الاحتلال غير شرعي، وبالتالي ما بني على باطل فهو باطل. وتجتهد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات المعروفة بالاختصار «BDS»، لاستقطاب مؤسسات مجتمع مدني في دول مختلفة، للتعاون في تحقيق أهداف المقاطعة.

ويعزز موقف المقاطعة الشعبية، الحكم الصادر من المحكمة الدولية في لاهاي، الذي اعتبر أن المستوطنات الاسرائيلية غير شرعية وتخالف البند 49 من ميثاق جنيف، الذي يحظر على أي دولة محتلة أن توطن سكانها في المناطق التي احتلتها. وقد شعرت اسرائيل بقوة الضغط الشعبي، حتى أن ساسة إسرائيليين حذروا علنا من التأثير المقلق للمنظمات الأوروبية غير الحكومية، الناشطة في مجال مقاطعة إسرائيل، على دوائر صنع القرار في الاتحاد الأوروبي.

قوة الضغوط الشعبية أجبرت الحكومات الأوروبية، في اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، على فرض وضع علامات المنشأ على صادرات المستوطنات، وتفعيل كافة القوانين الأوروبية المتعلقة ببضائع المستوطنات.

ويصعب على الحكومات معارضة ضغط الشارع، خاصة إذا استند إلى قرار من محكمة مثل المحكمة الدولية، وهذا أعطى زخما للمعارضة الشعبية. والرأي العام العالمي ساحة مفتوحة، سواء من خلال منظمات المجتمع المدني أو من خلال وسائل الإعلام.

ونتذكر كيف تمت مقاطعة جامعة بار إيلان الإسرائيلية، لأنها تدير برامج دراسية في كليات الضفة الغربية المحتلة، وتفاعلت مع هذه المقاطعة جامعات أوروبية وأميركية. وأيضا هذه المقاطعة لم يكن للحكومات دور فيها، بل هي من الجمهور.

وتكلم أكاديميون إسرائيليون عن قلقهم من تنامي العداء تجاه إسرائيل، وتغير الموقف الشعبي الغربي لصالح القضية الفلسطينية. قوة الرأي العام نجهلها في العالم العربي، وهذا بسبب عدم وجود مراكز أبحاث متخصصة، وضعف مؤسسات المجتمع المدني. ولذلك نميل في طرحنا إلى العموميات أو الاجتهادات الشخصية..

بينما لو استطاعت مؤسسات المجتمع المدني أن تقوم بدورها لحققت تأثيرا مهما في قضايا تهم رجل الشارع. ولا يفترض أن ننتظر من الحكومات المبادرات والقرارات، فالوعي هو العامل الذي يحفز الناس على العمل من أجل المجتمع، والمساهمة في نشاطات تخدم المجتمع أو فئات منه تستحق الدعم.

من الخطأ أن نبسط الأمور ونتعامل معها على عمومياتها، وأن الغرب يحاربنا ويقف ضدنا. من السهل أن نطلق الأحكام القطعية، لكن من الصعب أن نثبتها. إن مثل هذه المبادرات التي نراها في أوروبا وأميركا، تكشف لنا أن هناك مساحة مفتوحة للعمل والتأثير وصنع رأي عام، والقانون هناك يسمح فمنظمات المصالح الإسرائيلية موجودة وتعمل بتراخيص نظامية، ولذلك التأثير أقوى..

بينما الشعوب هناك في نهاية المطاف تتأثر بما ينقله لها الإعلام، أو ما يصل إليها من منظمات وجمعيات شعبية. وهذه الشعوب هي نفسها التي قامت بمظاهرات ضد حرب العراق 2003، والتي نتج عنها جدل كبير أسقط حكومات وأخرج رجال سياسة من العمل السياسي.

الوعي والقيم والمبادئ هي المحفز لأي شخص، للمشاركة في أعمال لخدمة المجتمع أو لدعم مبادئ يؤمن بها. لا بد أن يكون لدى كل فرد منا الثقة بأننا نستطيع أن نصنع التغيير، ولو بشكل بسيط، لخدمة تطوير المجتمع، وأن نقدم رسالة إيجابية للآخر عنا.. فحبات المطر الصغيرة في مجموعها تصنع السيول الكبيرة.

 

Email