أميركا ومشكلتها في الاستخبارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مقابلة تلفزيونية، أخيراً، تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن مدير جهاز الاستخبارات القومية في عهده، جيمس كلابر، تماماً كما يتحدث أي مدير أثناء لقاء مشترك حول وجبة سريعة عن طباخ قام بشي الهامبرغر بطريقة خرقاء.

قال أوباما في مقابلة: »رئيس أجهزة الاستخبارات لدينا جيمس كلابر، أقر بما أعتقد من أنهم قللوا من شأن ما يحدث في سوريا«. حسناً، ماذا سيحصل الآن؟ هل سنحصل على قسيمة شراء لطبق جانبي من حلقات البصل مجاناً في زيارتنا التالية، فيما يجري الحط من كلابر؟ وعندما تكون القائد الأعلى لجيوش الولايات المتحدة، فإن تحميل اللوم لشخص، ناهيك عن شخص رشحته بنفسك، يشكل أمراً مثيراً للشفقة.

ولا توجد وسيلة يمكن لأوباما أن يزعم بها أنه قلل من شأن خطورة صعود المتطرفين في سوريا، عندما تكون إدارته قد أمضت السنوات الماضية تسلح وتدرب مسلحين في المنطقة، من أجل غرض صريح يقضي بخوض حرب غير متكافئة ضد الحكومة السورية. فماذا كان يعتقد أنه سيحدث في النهاية؟

وفقاً لتقرير معهد المحاسبة الحكومية الجديد، فإنه غاب عن أوباما ما يقارب 60% من الإفادات الاستخبارية اليومية، منذ أن تولى منصبه في 2009. وهذا يعني واحداً من أمرين: إما أن الإفادات عديمة الفائدة إلى حد أن أوباما يشعر أن بإمكانه تجاوزها، أو أنه يفتقد بعض المعلومات الاستخبارية الجيدة عن معرفة وقصد، ويحاول الآن إلقاء اللوم على الأستاذ، لحصوله على درجة فشل في الصف الأساسي عن سوريا.

وإذا كان موقع البيت الأبيض مؤشراً على أولويات أوباما، فإن من السهولة رؤية لماذا قد يكون أغفل صعود داعش. يفيد أحد البنود الرئاسية: »يجب بذل المزيد من الجهد لمكافحة فيروس إيبولا«، و»لدينا التزام أخلاقي بقيادة الحرب ضد التلوث الكربوني« يوضح بند آخر.

فما هذه الضجة الكبيرة بشأن المتشددين في الشرق الأوسط، عندما يكون هناك خطر من مواد غذائية نباتية في الهواء، أليس كذلك؟ ربما أساء أوباما ترتيب المصالح والأولويات، غير أن المشكلات المشروعة مع المخابرات الأميركية تذهب أعمق بكثير من مجرد افتداء رجل واحد.

دعونا نبدأ بالسفارة الأميركية في بغداد، الأكبر في تاريخ هذا الكوكب، والتي كلف بناؤها 750 مليون دولار، وتقع حالياً على بعد ساعة فقط من أقرب معقل لداعش. فماذا يفعل ألوف الأشخاص العاملين والقاطنين في هذا المبنى الأشبه بمدينة، والمكتمل بحوض سباحة كالأحواض الأولمبية، وبصالة ألعاب رياضية، وغيرها من المرافق، لمراقبة ما يحدث في أماكن أخرى في العراق؟ لا شك أن هناك جواسيس يعملون تحت غطاء رسمي، مكلفين نظرياً بجمع المعلومات الاستخبارية عن التهديدات المحتملة، مثل داعش.

لكن أين الحافز لزراعة مصادر وجمع معلومات، عندما يكون هناك تكييف ومقاعد مريحة للجسم؟ وهؤلاء الجواسيس، ليتحلوا بالفاعلية، بحاجة لأن يكونوا كالقطط في الخارج، يستطلعون الأوضاع ويقلبون كل حجر، فكم من هذا كان يحدث فعلاً في العراق؟ وهناك مشكلة أخرى يبدو أنها تتفشى في مجتمع الاستخبارات الأميركي، وهي بيروقراطيتها.

في أعقاب 11 سبتمبر 2001، كان هناك كثير من النقاش بشأن غياب التنسيق وتقاسم المعلومات بين أجهزة الاستخبارات الأميركية.

وعندما أسفرت نتائج النقاش عن إنشاء منصب مدير جهاز الاستخبارات القومية، قال المنتقدون إن أجهزة الاستخبارات التي تقدم تقاريرها إلى وزارة الدفاع بدلاً من المدير الجديد لجهاز الاستخبارات القومية، ستوجد بقعة غير مرئية لدى هذا الأخير، لا سيما عندما يكون التوجه نحو اعتماد أكبر على التكنولوجيا، منه على المعلومات التي يتم تجميعها من مصادر بشرية عبر أشكال تبادل أكثر تقليدية.

وكل هذه القضايا لن تجري معالجتها عندما يبدو الرئيس الأميركي غير قادر على رؤية الصورة كاملة، سواء من خلال إغفال قضية صعود داعش، أو المشكلات المعقدة مع نظام الاستخبارات الأميركية.

Email