لماذا يقتلون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن توصل متفاوضون من وحي الوعر إلى هدنة مع النظام تلزمه بوقف قصفه لأخر موقع يتجمع فيه سكان مدينة حمص المنكوبة، الذين قارب عددهم في الحي ثلاثمائة الف مواطن، انهالت القنابل والصواريخ بصورة مفاجئة على المحاصرين، بعد أن كانوا قد استبشروا خيرا بالاتفاق، وخالوا أن محنتهم ستشهد بعض التراجع، وحياتهم ستستعيد شيئا من هدوئها وطابعها العادي السابق.

عندما استفسر من عقدوا الاتفاق من اهالي الوعر المحاصرين عن سبب القصف، تبين لهم أن قادة الأجهزة الامنية في حمص لم يوافقوا على الهدنة، لأن تطبيقها كان سيؤدي الى حرمانهم من مبالغ خيالية تصب في جيوبهم، تجنيها لهم الحواجز المحدقة بالحي المكتظ بالجياع والمرضى، عبر منع اية سلعة أو اي دواء من الدخول اليه دون دفع إتاوة مرتفعة من المال يجبيها من يسمون أنفسهم "حماة امن الوطن والمواطن"، تبلغ أضعاف ثمن السلعة أو الدواء، تضاف إلى الاسعار التي يفرضها التجار بدورهم على اسعار مبيعاتهم، لتجعلها خيالية وخارج متناول اغلبية مهجري الوعر الساحقة.

لا تحارب أجهزة الأمن "الاصوليين والمندسين والإرهابيين"، الذين تذرعت بهم لشن حربها ضد شعب سورية، ولا تضمن امن مواطني بلادها، ولا تقصف شعبها الحبيب، الوفي لقائده الملهم، لتحميه من العصابات المسلحة، كما قال نظام البعث ورئيسه طيلة نيف وثلاثة اعوام هي عمر الثورة، بل تقصف لقمة عيش المواطن، تطبيقا لسياسة اعتمدت حياله خيار "الجوع او الركوع"، الذي تحمله يافطات رسمية تطوق معظم مدن واحياء سورية، التي ما زالت محاصرة بصورة خاصة وتلك الخاضعة لسيطرة النظام بصورة عامة.

بذلك يخير النظام "شعبه الحبيب والوفي" بين الموت بإحدى طريقتين: تحت القصف بالقنابل والصواريخ، او بالتجويع. بما أن الطريقة الثانية "أربح" لقادة النظام الذي لا يقبل أن يوصف باي تعبير آخر غير "النظام الوطني"، بما أن هذه الطريقة تعود على هؤلاء بأتاوات خيالية في حالات كثيرة، تفرض على المحاصرين المقصوفين، فإن سادتهم في اعلى مواقع السلطة والقرار اقروهم على ما فعلوه، ووافقوا على إلغاء اتفاق عقده ممثلوهم مع ممثلي اهالي حي الوعر، وابلغوا الطرف الشعبي في اتفاق الهدنة بقرار اصحاب الامر والنهي من خلال سيل قنابل وصواريخ انهمر عليه، بينما كان يستبشر بقرب الفرج وانتهاء قتله بالقصف.

لم يتدخل احد من قادة النظام ولو لذر الرماد في عيون السوريين والعالم، وستر فجور الامنيين، الذي يضع حياة شعب سورية في كفة وسرقته في كفة مقابلة، ويكل نهبه إلى حواجز "أمنية" تفقده كثافتها ووظائفها جميع انواع الأمن، وتنتزع لقمة العيش من افواه اطفاله وشيوخه، دون أن يخجل "ابو الشعب" الجاثم على صدر دمشق من التغني بالإصلاح والتشدق بالحرب ضد الإرهاب، كأن ارهاب الآمنين بالقنابل والتجويع ليس ارهابا، بل حكم قانون، وحصار مئات آلاف البشر من اجل ابتزازهم عدالة وليس إرهابا إجراميا.

 تستمر قنابل "الأمن" في الانهمار اليومي على حي الوعر، حيث تقتل مواطنين عزلا فروا إليه هربا من الموت في حمص، حكم عليهم قادة الامن بالموت جوعا وقصفا من أجل ان يستمر تدفق نهر المال إلى جيوبهم، بعد ان حولوهم إلى رهائن لا حق لها غير الحق في الموت. هل هذه افعال نظام شرعي ومسؤول عن أمن وحياة شعبه؟. ألا يكفي ما يفعله الأمن ضد حي الوعر للمطالبة بإسقاط النظام وركائزه الأمنية، بعد أن وضعتنا أفاعيله أمام أحد خيارين: موته أو موت الشعب؟

 هناك اليوم رهينة عدد افرادها ثلاثمائة الف مواطنة ومواطن، يقتلهم من يفترض بهم حمايتهم. بماذا ننصح هذه الرهينة، هل ننصحها بتسليم ممتلكاتها واموالها ومقتنياتها الى الاجهزة الامنية، علها ترفع حصارها عنها؟. هل سيوقف اللصوص قصفهم عندئذ، أم انهم سيكثفونه لأن رهينتهم فقدت كل ما يمكن ان يؤخد منها، ويسوغ بقاء اعضائها أحياء؟. قولوا لنا رجاء: ماذا ننصحهم أن يفعلوا؟

Email