السعودية ــ الإمارات عنوان المرحلة الجديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن العالم العربي في ظل الفوضى العارمة التي تعصف به وغياب العمل العربي المشترك يحتاج إلى اخبار جيدة تعيد الأمل لوجود نظام اقليمي عربي يحمي المصالح العربية ويضمن الاستقرار للمنطقة. ويبدو أن الاخبار الجيدة هذه المرة تأتي من الرياض وأبوظبي فالعلاقات السعودية الإماراتية تشهد تطورا نوعيا في مختلف المجالات وترجمة لتاريخ طويل من التعاون الاقليمي بين البلدين.

يبدو أن الرهان سيكون على التحالف السعودي الإماراتي في وجود مركز ثقل يسعى للاستقرار والسلام في المنطقة، خاصة ان تاريخ البلدين يمتلئ بالمبادرات لتسوية الخلافات العربية أو لدعم الدول العربية ولم يكن للبلدين نوايا توسعية او اجندات مخفية.

ومجلس التعاون الخليجي يبدو حتى الأن رغم كل التصدعات التي حصلت داخله مازال المؤسسة الأكثر تأثيرا في فضاء السياسة العربية. ولذلك يأتي التنسيق السعودي الإماراتي لتعزيز هذا التعاون . وسيشكل هذا التنسيق عنوان المرحلة الجديدة في العالم العربي.

وهذا التقارب السعودي الإماراتي ليس مصطنعا أو مفروضا سياسيا، بل هناك تناغم شعبي واضح بين البلدين واصبح السعوديون يجدون في الإمارات بيتهم الثاني الذي يشعرون فيه بأنهم في بلدهم وبالأمان والتقدير، ولذلك اتجهت بوصلة الاعمال والسياحة السعودية باتجاه الإمارات بشكل واضح.

كما أن الشركات الإماراتية وجدت فرصتها في السوق السعودية، فأهم شركات ناجحة الآن في الاتصالات ومشاريع التطوير العقاري وبناء المدن الجديدة هي شركات إماراتية. وبالتأكيد أن تداخل المصالح والعلاقات الشعبية هو الصمام لتعزيز العلاقة ونموها واستمراريتها.

الميزة المهمة في التنسيق السعودي الإماراتي أنه يتجه للشكل المؤسسي ولذلك وجود اللجنة العليا المشتركة للبلدين الهدف منه تحويل زخم العلاقة الى علاقة مؤسساتية تشمل الجوانب السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتنموية والتعاون البيئي والعلمي.

وهناك موروث سياسي وثقافي وتاريخي بين البلدين، كما أن الشيخ زايد رحمه الله، وعلاقته الخاصة مع الحكام السعوديين، خاصة مع الملك عبدالله جعل لهذه العلاقة طابعاً خاصاً وعميقاً، ولذلك يقول الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد «إن العلاقات الإماراتية ــ السعودية تجسيد واضح لمعاني الأخوة والمحبة والروابط التاريخية المشتركة» وهو الذي دائما يؤكد حتى في مجالسه الخاصة على خصوصية العلاقات السعودية الإماراتية وعمق الترابط بين البلدين.

السعودية والإمارات تمثلان افقا جديدا في العلاقات العربية وهما تستطيعان ان تلعبا دورا محوريا في المحافظة على الأمن الاقليمي العربي.

وهناك تجربة ربما مختلفة في معطياتها ولكنها تتماهى معها في التأثير وصنع التغيير وهي التجربة الالمانية الفرنسية، فكثير من المراقبين يرجعون نجاح الوحدة الأوروبية الى التفاهم الألماني الفرنسي الذي كان المحرك للتقارب الاوروبي حيث استطاع البلدان رغم كل ما بينهما من تاريخ حروب وتنافسات الى صياغة تعاون استراتيجي بين البلدين ومكن هذا التعاون من بناء الارضية للمرحلة الاوروبية بعد الحرب الباردة.

‪والتنسيق السعودي الإماراتي واضح سواء على المستوى الإقليمي الخليجي او العربي. فالدعم لمصر والوقوف الى جانب القيادة والشعب المصري قرار استراتيجي للبلدين لإدراكهما أن مصر هي محور أساس لأي نظام عربي جديد. وهذا القرار له تأثيره الكبير على مسار التاريخ العربي المعاصر. وسيكتب التاريخ عن هذا المفصل في مسار العالم العربي.

واوضح البلدان على لسان مسؤولين أن سياستهما تقوم على الاعتدال ومواجهة نزعات التطرف والتعصب والارهاب والتشجيع على الحوار بين الحضارات والثقافات. وفي التنسيق القوي بين الرياض وابوظبي والقاهرة سيكون هناك مركز ثقل عربي يضمن المصالح العربية والاستقرار لدول المنطقة‬.

والفرص الموجودة في العلاقات السعودية الإماراتية هائلة، فهما اول وثاني اقتصاد في المنطقة على التوالي، كما انهما تمتلكان امكانات وعلاقات ضخمة على المستوى الاقليمي والدولي.

وترسل الاتفاقية الاطارية الاستراتيجية بين مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة وشركة ابوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) اشارة واضحة لعمق التنسيق ليس السياسي فحسب، بل حتى في مشاريع الطاقة الجديدة وما تتضمنه من مجالات حيوية وأمنية للبلدين.

ويشير مراقبون أنه من المتوقع أن تقود كل من السعودية والإمارات قطاع توليد الطاقة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

ان التفاؤل الذي يلمسه كثيرون نتيجة هذه العلاقة الخاصة بين السعودية والإمارات هو فرصة لتقديم نموذج متقدم في المنطقة لصيغة جديدة للعلاقات السياسية والاستراتيجية بين البلدين. وربما تكون نقلة نوعية في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدان العربية.

فالقرار السياسي العربي كان في كثير من الاحيان يعتمد على المزاجية وشخصنة العلاقات في الافراد ولهذا كانت العلاقات تنتقل فجأة من مشروع وحدة سياسية بين بلدين الى حرب عسكرية في اليوم التالي.

ولكن في التجربة السعودية الاماراتية هناك فرصة مواتية خاصة ان هناك فريقا من السياسيين المتمرسين في البلدين الذين يمكن ان يترجموا هذا المشروع الى عمل مؤسسي يصل الى كل القطاعات ويرتبط بأنظمة وتشريعات تجعل هذه العلاقة عضوية ومتجذرة في العمق.

كما ان الباب يكون مفتوحا لمن ينضم لهذا المشروع الاستراتيجي الذي هو مكمل للعمل العربي المشترك ويمكن الاستفادة من التجربة الالمانية الفرنسية.

العالم العربي يحتاج الى بعض التفاؤل في واقع اشبه بالتراجيديا السوداء، وهذا الضوء الذي تولده هذه العلاقة ربما يكون بوابة لمرحلة جديدة يستعيد فيها النظام الاقليمي العربي حياته ويحدد مسارا سياسيا براغماتيا يجمع بين الدول العربية من خلال مصالح تربط الشعوب ومؤسسات تحمي العلاقة وتعززها.

 

Email