لبنان في استراتيجية الحرب على الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 11 سبتمبر 2014 تم الإعلان عن مقررات مؤتمر جدة استناداً إلى عزم الرئيس أوباما على تشكيل حلف دولي واسع لمحاربة الإرهاب الدولي بعد صدور القرار 2170 الذي نال إجماع مجلس الأمن الدولي. وأكد أوباما على أن الحدود الجغرافية لا قيمة لها عند بدء الحرب على الإرهاب. فالضربات العسكرية ستشمل جميع اماكن تواجد داعش دون النظر إلى سيادة الدول التي يقيم على أراضيها.

وأن الهجمات الأميركية ستطال الأراضي السورية لطرد داعش وتقوية المعارضة السورية المعتدلة. ورفض أوباما إدخال النظام السوري في التحالف الجديد. ودعا إلى مواجهة تطول لسنوات عدة حتى تغيير ميزان القوى في سوريا على غرار ما يجري في العراق.

وحث أوباما الدول العربية والإسلامية على المشاركة في الحرب على الإرهاب باعتبارها قضية مركزية عالمية مشتركة.

وعليهم المشاركة الميدانية وتقديم كل أشكال الدعم المالي والعسكري والسياسي لإنجاز هذه المهمة، وإعادة بناء جيوشهم وفق الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي أعدت لبناء الجيش العراقي بإشراف أميركي مباشر.

في هذه الأجواء المرتبكة جداً وقّع وزير خارجية لبنان على مقررات مؤتمر جدة. فحمل لبنان العصا من وسطها بين مشروع أميركي بدعم عربي واسع، وقوى لبنانية تتخوف منه وتعتبره استمرارا لسياسة إسقاط النظام السوري بالقوة، وتدمير قدرات سوريا القتالية تحت ستار محاربة الإرهاب.

وتخوف بعض المحللين من أن توقيع لبنان على تحالف دولي لمحاربة الإرهاب قد يدفع اللبنانيين إلى نزاعات داخلية ومحاور إقليمية بالغة الخطورة.

فتركيبته الديموغرافية والسياسية هشة، وانضمامه إلى حلف معادٍ للنظام السوري لا يبقيه بمنأى عن المواجهات الدائرة في سوريا والتي ستزداد عنفاً بعد تصنيف هذا النظام على قدم المساواة مع تنظيم داعش، والعمل على إسقاطهما معاً.

يمكن تفسير موقف لبنان بالدبلوماسية المرنة من خلال الوقوف إلى جانب مشروع دولي تقوده الولايات المتحدة التي قدمت قرابة مليار دولار لتسليح الجيش اللبناني وتدريبه وتسليمه أسلحة وأعتدة لمواجهة داعش ومثيلاتها بعد هجومها المباغت على مراكز للجيش اللبناني في بلدة عرسال وجرودها.

وقد مكنت الجيش اللبناني من الصمود وتعزيز مواقعه فيها. ووقف أيضاً إلى جانب السعودية التي تبرعت بمبلغ أربعة مليارات دولار للقوات المسلحة اللبنانية لتمكين الجيش اللبناني من مكافحة الإرهاب وضمان أمن اللبنانيين بأسلحة فرنسية.

لكن القوى اللبنانية التي قاتلت ضد داعش وباقي التنظيمات الارهابية والتكفيرية إلى جانب النظام السوري تخوفت من استبعاد النظام السوري والدول المساندة له إقليمياً وعالمياً، أي إيران وروسيا والصين ذات الدور البارز في محاربة الإرهاب الدولي.

لقد أثار توقيع لبنان على المشروع الاميركي لمحاربة تنظيم داعش إشكاليات عدة. فهو شديد الحرص على محاربة كل أشكال التطرف الديني والعرقي والتكفيري.

لكن تجربة اللبنانيين مع التحالف الأميركي - الإسرائيلي كانت دوماً مخيّبة لآمالهم، وأدت إلى تهجير مئات الآلاف من المسيحيين من لبنان وسوريا وفلسطين والعراق. يحرص لبنان على عدم الدخول في أي محور دولي ضد محور دولي آخر.

وقد استشعرت قوى أساسية في النظام اللبناني مخاطر توجيه ضربة خاطفة للنظام السوري تقود إلى تغيير جذري في ميزان القوى الداخلي في لبنان. فتقرر عرض موضوع مشاركة لبنان في هذا التحالف على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب.

وهو يضم جميع الاتجاهات السياسية الفاعلة، ولن يوافق على أي تحالف لا يضمن مصلحة لبنان أولاً. ختاماً، لقد اجتاح تنظيم داعش مؤخراً مناطق الأكراد في سوريا، ويحضر لاجتياح مناطق واسعة من لبنان.

وهو مستمر في رفض إطلاق المخطوفين من العسكريين اللبنانيين، ويمعن في قتل المزيد من أفراد الجيش اللبناني. مما يؤكد على وجود مخطط إرهابي لتفجير لبنان.

ويدرك غالبية اللبنانيين، المخاطر المحدقة بوطنهم، ويظهرون المزيد من الالتفاف حول جيشهم وقواهم الوطنية اللبنانية التي تتصدى لتنظيم داعش وأمثاله. لكن السلطة السياسية اللبنانية ما زالت منقسمة حيال الملفات السياسية الملحة.

فكان الهدف من مشاركة لبنان في مؤتمري جدة وباريس هو الاستفادة من الحرب الدولية ضد تنظيم داعش، مع الإصرار على حياد لبنان وعدم انحيازه إلى اي محور دولي. فهناك قوى لبنانية ترفض دخول لبنان في اي محور دولي، كما ترفض فتح أجوائه لطائرات دولية أو إقليمية.

وتعمل حكومة الرئيس سلام على إظهار موقف لبنان الموحد في الكلمة التي سيلقيها في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وينتظر أن تكون كلمة جامعة تعبّر عن موقف لبناني موحد، يصون وحدة لبنان، أرضاً وشعباً ومؤسسات.

 

Email