الإرهاب المعولم في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبدو إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما محرجة جداً في حديثها عن مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، والتدخل الروسي غير المعلن في أوكرانيا، فهي التي ساندت الإرهاب منذ سنوات طويلة إلى أن بات يهدد مصالحها الكبيرة في المنطقة.

وهي تريد توجيه ضربات جوية ضد حلفاء الأمس من الإرهابيين في سوريا، دون أن تظهر بموقف الحليف الاستراتيجي للرئيس السوري ضد عدو مشترك توسع نفوذه بسرعة في سوريا والعراق، وبات يهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها.

تبنت إدارة أوباما سياسة براغماتية تقود، في حال نجاحها، إلى ضرب نظام الرئيس بشار الأسد وتنظيم «داعش» في آن واحد، وفق استراتيجية طويلة الأمد لاحتواء التمدد السريع لداعش أولاً، والإصرار على إبقاء منطقة الشرق الأوسط بأكملها تحت الهيمنة الأميركية.

تحركت الولايات المتحدة لتشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب المعولم، الذي ساهمت مع حلفائها في ولادته وتمويله وتسليحه، وذلك بعد أن خرج تنظيم داعش عن الحدود التي رسمتها له، وبات يهدد مستقبل جميع شعوب منطقة الشرق الأوسط والمصالح الأميركية في آن واحد. وهكذا تبلورت سياسة أميركية براغماتية، تجاه الصراعات الدامية في الشرق الأوسط وأوكرانيا معاً.

فالصراع فيهما مرشح لمزيد من التعقيد، ليصبح في عداد الأزمات العالمية التي تشارك في تغذيتها دول كبرى تمتلك مشاريع متناقضة، وتستخدم فيها تكنولوجيا عسكرية متطورة جداً. وذلك يوضح معطيات عدة حول خلفيات هذا الإرهاب الدولي المعولم، وآفاقه المستقبلية في نظام عالمي يسعى بعض أركانه لجعله متعدد الأقطاب.

أولاً؛ لقد تغير النظام العالمي بشكل واضح في السنوات الخمس الماضية، بعد أن هيمن القطب الأميركي الأوحد على القرار الدولي منذ نهاية الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفييتي والمنظومة الملحقة به، فانضوت الدول الجديدة تحت لواء الولايات المتحدة بصفتها زعيمة العالم الديمقراطي التي تعمل على إسقاط الدول المعارضة لسياستها بالقوة العسكرية.

ثانياً؛ من موقعها الثابت في دعم إسرائيل، تعمل واشنطن على بناء الشرق الأوسط الجديد على حساب العرب، واستخدمت شعارات «الربيع العربي» و«الفوضى الخلاقة»، لتدعم قوى تكفيرية مارست كل أشكال الإرهاب والتطرف الديني والعرقي.

وساعدت على تسليح جماعات من المرتزقة المأجورين القادمين من مختلف دول العالم، ليمارسوا كل أشكال القتل والتدمير في العراق وليبيا وسوريا واليمن ولبنان.. وغيرها.

ثالثاً؛ أظهرت قوى التهجير والتقسيم في الدول العربية، أن إسرائيل هي المستفيد الأول من تفجر النزاعات الدموية واستمرارها بوتيرة متصاعدة تسمح لها بالتحكم في مصير شعوب هذه المنطقة. فسياسة الإفراط في القمع التي تعتمدها إسرائيل تجاه الجماعات السكانية الخاضعة لها والدول المحيطة بها، تشكل نموذجاً يحتذى لتلك الجماعات الإرهابية.

وتشير بعض الدراسات الأميركية العقلانية إلى أن سياسة إسرائيل القائمة على الإفراط في استخدام القوة تحت ستار الدفاع عن النفس، باتت تشكل خطورة قصوى على المصالح الأميركية في منطقة توصف اليوم بمستنقع شبيه بحرب فيتنام.

رابعاً؛ وصفت العقوبات الاقتصادية الفاشلة التي فرضتها إدارة أوباما على دولة كبرى كروسيا الاتحادية بسبب تدخلها في الأزمة الأوكرانية، بالدبلوماسية الهزيلة التي تثير سخرية المثقفين ووسائل الإعلام والمحللين الاستراتيجيين.

فروسيا مستمرة في حماية مصالحها في أوكرانيا، وفي مساندة القوى المقاتلة ضد الإرهاب المعولم المرتبط وثيقاً بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط. وليس بمقدور الولايات المتحدة وحلفائها حل أزمة أوكرانيا، أو إيقاف المد الإرهابي في الشرق الأوسط، دون تفاهم واضح مع روسيا والصين.

خامساً؛ بعد أن تحدت روسيا التحالف الدولي وضمت منطقة القرم إليها، برز تغيير جدي في ميزان القوى العالمي.

فسياسة الأميركيين في تأجيج النزاعات الداخلية في المنطقة، وتحريض بعض التيارات الدينية ضد أنظمتها وشعوبها، وتمويل وتسليح آلاف المرتزقة بالتعاون مع تركيا ودول أخرى، لم تعد قادرة على إعادة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط.

لذا لجأت إلى استعراض إعلامي من خلال تشكيل تحالف دولي، تحت ستار محاربة الإرهاب المعولم.

لقد تجاهلت الولايات المتحدة تاريخ روسيا وإصرارها الدائم على الوصول إلى منطقة الشرق الأوسط، التي تشكل سنداً اقتصادياً وعسكرياً واستراتيجياً لمصالحها الكبيرة في هذه المنطقة.

وفوجئت باسترداد روسيا لشبه جزيرة القرم ضمن استراتيجية استعراض القوة التي تبرز استعدادها العسكري دفاعاً عن مصالحها في الشرق الأوسط، وتحدت هيمنة القطب الأميركي الأوحد، واستخفت بالعقوبات الأوروبية والأميركية عليها.

وفشل الغرب في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يلغي شرعية ضم القرم إلى روسيا، وفشلت سياسة فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، لأنها تصيب مصالح الغرب بخسائر فادحة.

ختاماً، ساندت الولايات المتحدة وحلفاؤها الإرهاب التكفيري المعولم، ومولت آلاف المرتزقة ليمارسوا أشد أنواع القتل والدمار والتهجير العرقي والديني والثقافي.

ولم تساند يوماً القوى المدافعة فعلاً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في الدول العربية، بل تركتها وحيدة لسنوات طويلة تواجه التصفيات الجسدية في دولها. وبعد أن خرج داعش عن المخطط المرسوم له، تداعت إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب المعولم، الذي بات يعيق قيام شرق أوسط جديد بقيادة أميركية - إسرائيلية.

 

Email