خدمة العملاء.. البقاء للأفضل

ت + ت - الحجم الطبيعي

في رحلة العودة من إجازتي الصيفية الأسبوع الفائت، على متن طائرة تابعة لإحدى الشركات الوطنية، نسيت ابنتي أحد أجهزتها الإلكترونية على متن الطائرة للأسف، ولم تتذكر ذلك إلا عند حزام استلام الأمتعة.

فاتجهت لمكتب الإبلاغ عن المفقودات، وقوبلت ببرود وجفاء من قبل الموظفة التي كانت تجلس باستهتار على مكتبها المكدس بالأوراق.

طلبت منها الاتصال بأحد الموظفين المناوبين، وكان ردها أن الطائرة قد هبطت للتو ولا تستطيع فعل شيء حتى إخلائها ووصول طاقم التنظيف.

سألتها إن كانت لديها أية استمارة لأقوم بتعبئة بياناتها ليتسنى لها متابعة الموضوع.. ردت: إذا أردت ذلك! قلت في نفسي: إذا أردت ذلك؟ أليس هناك نظام معين لهذه الشركة المرموقة للتبليغ عن المفقودات؟!

قمت بتعبئة المعلومات على الاستمارة، وإذا بصوت يقاطعني من شخص يبدو من هيئته أنه مدير المناوبة في الشركة، وهو يصرخ على الموظفين في مكتب المفقودات أمامي ويقول: إنها ساعة ذروة ولدينا كثير من الطائرات..

توقفوا عن التقاعس واستقبال الطلبات! ولم يكن أحد في مكتب المفقودات غيري وستة من موظفي الشركة خلف المكتب! شعرت بإحساس الضيف غير المرغوب، مع أنني من العملاء المميزين جداً لدى شركة الطيران، ومن حاملي البطاقة الذهبية! سألت الموظفة عن كيفية متابعة الموضوع معها، فقالت إنهم سيتواصلون معي ..

ولم توفر لي أية معلومات لمراجعة المعاملة! حاولت متابعة الموضوع بعد أسبوع، ولكن من دون رقم مراجعة لم أصل إلى شيء، فرفعته إلى موقع التواصل الاجتماعي التابع للشركة في تويتر، وكانت الشركة أكثر من متعاونة، ولكن حتى يومنا هذا لا أعلم ما مصير جهاز ابنتي!

الموضوع بكل أمانة، ليس في الجهاز الإلكتروني الذي يمكنني استبداله بكل سهولة، ولكن في قضية المعاملة وأسلوب التعاطي مع الأشخاص.

إلى متى سنتعامل مع الأشخاص بهذا الأسلوب السيئ وغير المتحضر؟ هناك مجموعتان في المؤسسة: مجموعة تعي أهمية العميل وتعتبره من أهم أصولها، ومجموعة لا تكترث به وتقوم بتدمير علاقة المؤسسة به من خلال تصرفاتها غير الواعية، والمجموعة الأخيرة خطيرة جداً على المؤسسة وسمعتها.

المؤسسة تأخذ وقتاً طويلاً لتبني علاقاتها مع العملاء، من خلال مبادرات عدة ومن خلال المشاريع والخدمات التي تقدمها، وهذه الاستثمارات تكلف المؤسسة الكثير من المجهودات والأموال لتثمر، ولكن خطأ غبياً من موظف غير مبال قد يودي بكل هذه المجهودات ويرمي بها عرض الحائط.

مؤسف حقاً حال بعض مؤسساتنا، والمؤسف أكثر أننا ننتقي أسوأ الموظفين ليقفوا أمام المتعاملين وليكونوا واجهة شركاتنا العالمية. الموظفون الذين يتعاملون مع العملاء يجب أن يتم اختيارهم بعناية فائقة، ويتم تدريبهم مراراً وتكراراً لمواجهة المتعامل في أصعب الحالات.

الموظف الذي يقف أمام العميل يجب أن يكون أكثر من مجرد صورة جميلة، بل يجب أن يكون شخصاً بشخصية فذة ونفسية مبهجة وصاحب ابتسامة، يجيد التصرف واتخاذ القرارات في اللحظات الحرجة.

ومن أجمل القصص التي قرأتها قصة عن خدمة العملاء المتميزة، في أحد محلات الأحذية المشهورة، حيث قامت إحدى الزبائن بشراء ستة أحذية لوالدتها التي تعاني من ألم في قدمها، وبعدما جربت أمها الأحذية فضلت اثنين منها وارتأت أن تعيد الأربعة الأخرى.

قامت الابنة بالاتصال بالمحل وشرحت للموظفة على الهاتف وضع أمها الصحي، وتفهت الموظفة ذلك، خاصة أن والدها يواجه نفس المشكلة لأنه يعاني من داء السكري ويجد صعوبة في إيجاد حذاء يناسبه.

قامت الابنة بإعادة الأحذية، ولكنها فوجئت بعد أسبوعين بباقة ورد وصلتها إلى منزلها، موجهة إلى والدتها تتمنى لها وافر الصحة والعافية، ومرفق معها بطاقة لانضمام والدتها لبرنامج العميل المتميز جداً للشركة، والذي يؤهلها للحصول على مزايا خاصة عوضاً عن الخصومات التابعة لها.

هذا الموقف النبيل للشركة جعل الابنة تتعهد بأنها ستبقى عميلة لهذه الشركة للأبد، وأنها لن تشتري أي حذاء إلا منها، بسبب موقف بسيط وإنساني جميل!

خدمة عملاء كتلك التي في القصة، تتطلب الكثير من الجهد، ولنصل إليها يجب أن نبدأ من الداخل؛ من المؤسسة نفسها أياً كانت، وذلك من خلال الاهتمام بالموظفين وإشعارهم بأنهم جزء من المنظومة المتكاملة لهذه المؤسسة.

حالما يشعر الموظف بأهمية دوره داخل المؤسسة وبأهمية الوظيفة التي يؤديها، وعندما يعطى جزءاً من المسؤولية مع التوجيه، ترتفع إنتاجيته وفاعليته وينعكس ذلك على أدائه، فالتدريب المستمر والنصيحة الدائمة ضروريان لتطوير أداء الموظف.

والخطوة التي تتبعها هي الاهتمام بمتطلبات العميل، بدءاً بمحاولة الوصول لمرحلة الخدمة الجيدة، ومنها إلى الخدمة المتميزة، إلى أن نصل إلى مرحلة التفوق على توقعات العميل، وكل هذه المراحل تتطلب جهداً ووقتاً وابتكاراً.

العميل لا يبحث عن دعايات تسويقية في الجرائد وعلى شاشات التلفاز، ولا عن رعاياتك لفعاليات تكلفك ملايين الدراهم.. نعم، كلها أشياء جميلة، ولكن قبل ذلك اهتم به، اهتم باحتياجاته ومتطلباته، قدم له قيمة ما يدفعه لك من مال مقابل الخدمات، قدم له الخدمات بابتسامة وبرقي وبتحضر، أشعره بأنه فعلاً مهم!

خدمة العملاء فن لا يجيده إلا القلة من المتميزين، وهؤلاء القلة هم من يستمرون في إبقاء عملائهم سعداء، وفي استقطاب المزيد من العملاء نحوهم.. والبقاء فقط للأفضل!

 

Email