ما بين داعش وحسن البنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس غريباً أن ترفع جماعة الإخوان في بعض تظاهراتها الأخيرة راية تنظيم داعش، وقد يتصور البعض أن الجماعة فعلت ذلك لتغيظ الدولة المصرية وتستفزها، بعد تهديدات داعش بفتح مصر قريباً.

وهذا ليس صحيحاً، فداعش إن راح أو جاء هو مجرد تنظيم محدود مهما بالغوا في تقدير قوته، وبلا مستقبل إلا في دول مضطربة للغاية ومنقسمة على نفسها انقساماً حاداً. والحقيقة أن أصل الجماعة والتنظيم واحد وهو أفكار حسن البنا، رغم أن التنظيم وجه انتقادات حادة إلى الجماعة لتقاعسها عن تطبيق الشريعة وهي في السلطة.

وعموماً أفكار حسن البنا ومن على شاكلته، هي التي صنعت مأزق الإسلام السياسي.

وأعترف أن ثمة خطأ شائعاً في عبارة «الإسلام السياسي»، فالإسلام أجل وأعظم من أن تُنسب إليه جماعات العنف الديني التي تحترف فكراً وترتكب جرائم وأفعالاً هي أبعد ما تكون عن صحيح الدين، وتسيء إلى ما يقرب من مليار ونصف مليار مسلم على كوكب الأرض.

ولكن دَرج الناس على شيوع هذا الخطأ للتفرقة بين الإسلام ديناً للعدل والتسامح والحرية، وبين الجماعات التي تلبس عباءة الإسلام الخارجية بحثاً عن السلطة والحكم والنفوذ والسيطرة، فأوقعت بالعالم الإسلامي، والدول العربية في قلبه، من الجروح والأزمات والانقسامات والحروب الداخلية ما لم يستطع أعداؤهم إيقاع نصفه.

وقد يتجرأ المرء ويسأل: هل أعضاء هذه الجماعات يعانون من أمراض نفسية تجعل صورة العالم تبدو أمامهم شائكة ، كما هو حالهم في فهم الدين ، فراحت الصور المشوهة المرتبكة تتحكم في تصرفاتهم العامة؟ السؤال طبيعي ، وهو يفتح لنا باب المقارنة بين تنظيم داعش وجماعة الإخوان.

ولنبدأ من فصلها الأخير، وهو دعوة داعش أردوغان لمبايعة البغدادي زعيم التنظيم خليفةً للمسلمين، مقابل تعيينه أميراً على ولاية تركيا بعد إخضاعها لgخلافة، ثم يهدده تهديداً «إذا لم يقبل هذا العرض فسوف يفتح القسطنطينية وكل تركيا».

ونسأل مجدداً: ماذا نفهم من هذه الدعوة؟!

دون أدنى شك، هي نهم للدنيا والسلطان مقنّع بالدين. صحيح أننا قد نفرح في أردوغان فرحاً شديداً ونعايره ونصفق في شماتة قائلين له: اشرب من نفس الكأس التي ملأتها بنفسك ، بتحالفك مع التنظيم العالمي لجماعة الإخوان، لكن هل هذه الدعوة مُرسلة من رجل يدرك حدود ما يطلبه؟ وكيف للبغدادي أن يعين أردوغان أميراً تابعاً له وهو بالفعل رئيس تركيا المنتخب ؟

ومن أجل ماذا يتنازل أردوغان عن سيادة بلاده ويمنحها للبغدادي؟ ومن هو البغدادي أصلاً؟ جماعة داعش تفكر في «خلافة العالم الإسلامي» من أول باكستان إلى المغرب، مكونةً الدولة «الداعشية» على غرار الدولتين الأموية والعباسية.

وهذا هو مأزقالإسلام السياسي برمته منذ أسس حسن البنا الإخوان عام 1928، فداعش ترى في نفسها أفضلية على عموم المسلمين، وهي نفس الأفضلية التي أضفاها البنا على جماعته التي تبحث عن «أستاذية العالم» بأسره.

وقد وجه البنا دعوة إلى كبار مصر كالتي وجهتها داعش إلى أردوغان تماماً، قال فيها: «ونحن الآن وقد اشتدّ ساعد الدعوة وصلب عودها وأصبحت تستطيع أن توجِّه ولا توجَّه وأن تؤثِّر ولا تتأثر، نُهِيب بالكبراء والأعيان والهيئات والأحزاب أن ينضموا إلينا، وأن يسلكوا سبيلنا وأن يعملوا معنا، ويتوحدوا تحت لواء القرآن العظيم ويستظلوا براية النبي الكريم ومنهاج الإسلام .

فإن أجابوا فهو خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وتستطيع الدعوة بهم أن تختصر الوقت والجهود، وإن أبوا فلا بأس علينا أن ننتظر قليلاً وأن نلتمس المعونة من الله وحده حتى يحاط بهم ويسقط في أيديهم ويضطروا إلى العمل للدعوة أذناباً وقد كانوا يستطيعون أن يكونوا رؤوساً، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».

بالضبط هي نفس الرسالة: «يا سيد أردوغان إن لم تنضو تحت لواء القرآن الذي يرفعه البغدادي، فسوف يفتح القسطنطينية وتركيا كلها ويسقطك، وتضطر أن تعمل أنت وحزبك ومؤيدوك أذناباً»! وكما أن حسن البنا وجماعته هم «لواء القرآن، وراية النبي الكريم، ومنهاج الإسلام القويم»، فإن البغدادي يملك هذا اللواء ذاك المنهج.

حتى فكرة الغزو التي هدد بها داعش «أردوغان» إذا لم يستجب لمبايعة الخليفة، وردت في رسائل حسن البنا بالنص: «وفي الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمئة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحياً بالإيمان والعقيدة، وفكرياً بالعلم والثقافة، وجسمياً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار».

 لكن حسن البنا مات قبل أن يفعل، بينما البغدادي حي ومازال يهدد بما هدد به حسن البنا، ولكنه لن يقدر.

 

Email