الحكومة الذكية.. مزايا ومحاذير التكنولوجيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لن يقبل سكان المدن الذكية من مسؤولي الحكومة الذكية، الاعتذار بأن النظام معطل (سيستم إز داون)، لأن ذلك يعني أن مكروهاً قد حصل لا قدر الله، فإذا حصل حريق مثلاً يكون في مكان وسيارات الإطفاء تتحرك في اتجاه آخر.

كذلك لن يقبل أولئك بالاعتذار بأن النظام بطيء (سيستم إز سلو)، لأن ذلك يعني تأخر مصالح العباد وتعطل خدماتٍ حيوية هم في أمس الحاجة إليها.

ففي عصر الحكومة الذكية سيتعامل الجميع مع التكنولوجيا وكأنها جزء منهم، وليس موظفو إدارة الحاسوب فقط، بل كافة الموظفين في كل الإدارات وعلى جميع المستويات التنظيمية.

وفي المدن الذكية سيتعامل كل قاطنيها مع التقنيات والبرمجيات والتطبيقات الحديثة، ليس فقط طلبة المدارس وأساتذة الجامعات، بل الابناء والأمهات، ومعهم الجدود والجدات وخدم المنازل والسائقون، فالهواتف الذكية ستكون في متناول الجميع، ومن خلالها تتم تحديد مواعيد المستشفيات ومواعيد اختبارات الأولاد في المدارس.

وسيتم من خلالها أيضاً تجديد الجوازات والإقامات وحجوزات الطيران والفنادق وأماكن الترفيه، بل وكافة الخدمات الضرورية والكمالية التي ستقدمها الحكومة الذكية والشركات الذكية والفنادق الذكية والمدارس الذكية والمستشفيات الذكية... الخ.

إن الحكومة الذكية مصطلح عصري جديد، يقصد به المنظومة الإدارية الحكومية المتقدمة التي تسخر آخر ما انتجه قطاع التكنولوجيا والاتصال من أنظمة وتطبيقات، لتقديم خدمات حكومية متطورة إلى الأفراد والمؤسسات وإلى المجتمع الإنساني، ولكن تبقى التكنولوجيا وسيلة تحقق من خلالها الحكومة الذكية غايات سامية.

متمثلة في رفع مستوى الرفاه الاجتماعي وتحسين جودة الحياة وإسعاد الناس، في ظل هذا الفضاء الإلكتروني الواسع والرحب والمفتوح، بل والمكشوف على كافة مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والبيئية وعلى مجتمعات المال والأعمال والقطاعات الاقتصادية والاستثمارية والخدمية.

وبما أن هذه التكنولوجيا من صنع البشر، فهي بالتالي تكون عرضة لأهوائهم وميولهم ورغباتهم، وهنا تبرز أهمية الحيطة والحذر في مجال تدفق المعلومات وحفظ البيانات، لأجل صيانة هذا المخزون الرقمي الهائل داخل الحكومة الذكية من العبث والتخريب.

فوفق تقرير شركة «سيمانتك» المتخصصة في حماية أمن المعلومات، فإن إجمالي الخسائر المالية التي سببها قراصنة الحاسوب في مجتمع المال والأعمال في الإمارات، بلغ 1.8 مليار درهم في الفترة ما بين أكتوبر 2012 حتى سبتمبر 2013، كما ذكر التقرير الأخير.

وعليه فمن المهم حفظ البيانات وحماية التقارير والمعلومات الخاصة بالوزارات والدوائر، ومعها حماية خصوصية الأفراد من الانحرافات والتجاوزات التقنية من قبل الفضوليين والمتطفلين.

ليس هذا فحسب، بل إن موظفي الحكومة أنفسهم بحاجة إلى توعية، والتوعية المتتابعة بالتشريعات واللوائح المتعلقة بأمن المعلومات في مؤسساتهم، فقد تؤدي غفلة احدهم إلى اتاحة الفرصة للاقتحامات التقنية، التي ربما تكون لها عواقب وخيمة لم تكن في حسبانه ولا في حسبان مديره.

من ناحية أخرى، وبنظرة سريعة للمشهد أمامنا، نجد الحضور القوي للاقتصاد الأخضر، وقد برز هذا الاقتصاد لمواجهة اثنين من التحديات الكبيرة التي تواجه البشرية، فالأول هو التغير المناخي وآثاره المدمرة على البشر والشجر والبيئة برمتها، والثاني هو هذا الهاجس الدولي المتعلق بنضوب الطاقة المتولدة من الوقود الأحفوري، فجاءت الاستثمارات الضخمة في مشاريع الطاقة النظيفة والطاقة المتجددة.

كذلك نجد الحرص الدولي يتزايد على تشجيع التجارة الاجتماعية، وهي مشاريع اقتصادية ذات مردودٍ اجتماعي كبير على التنمية البشرية ومبادرات الاستدامة، مما أدى إلى انتشار فكرة «بنك الفقراء» ودعم التمويل المالي لمشاريع متناهية الصغر.

وفي المجال الصحي لم تعد التكنولوجيا فقط وسيلة لنقل المعلومات، بل أصبحت شريكاً للأطباء في التشخيص والعلاج في ما يسمى ببرامج «التطبيب عن بعد»، كما يشهد العالم تحولاً كبيراً في العمل الخيري الإنساني، فمن محاربة الفقر والجوع والمرض إلى المشاركة الفعالة في المشاريع التنموية والتصدي للبطالة وتحسين المستوى المعيشي في الدول والمجتمعات الفقيرة والنامية.

أجل، يتطلب كل ذلك اسستثماراً مادياً ومعنوياً في رأس المال البشري، وإعداداً جاداً للقوى العاملة وفق المعطيات التقنية الحديثة، كما يتطلب فكراً إبداعياً جديداً وتطويراً في مناهج الإدارة والتشغيل، فتحديات الحكومة الذكية كبيرة ومتجددة، وطموحاتها تكبر مع الأيام ومعها يرتفع سقف الأداء الحكومي المتميز، فهل نحن جاهزون؟ أجل، هذا ما يدركه بعضٌ من القادة الاستراتيجيين والمديرين التنفيذيين، أما البعض الآخر فما زال يتساءل حتى حينه «لماذا ذكية»؟ فهل من مدكر؟!

Email