أولويات أوباما الخاطئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحقيقة القائلة إن الرئيس الأميركي باراك أوباما ينشر مئات عدة من العسكريين الأميركيين من قوات دلتا المتمرسة في العراق لحماية المصالح الأميركية، ترجع إلى بعض القرارات السيئة والفرص المهدرة لتصحيح المسار، غير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد مضى بالفعل في المسار الصحيح.

ويبدو أن إدارة أوباما عاقدة العزم على تحويل كل تحرك إلى محاولة للفت أنظار بوتين. وقد جاء انشغال الإدارة الأميركية بالحرب الاقتصادية التي تشنها على أوراسيا، على حساب أولويات أخرى مثل الإرهاب.

ونتيجة لذلك، فإن تنظيم داعش يكتسح مدناً عراقية كبرى ويعدم كل من يعترض طريقه لاقتحام بغداد، مهدداً بتخريب ثمار الدماء والدموع الأميركية على امتداد 10 سنوات. وتلك هي النتيجة المأساوية لأولويات وضعت في غير موضعها، بدءاً بسوريا. لقد مضت الإدارة الأميركية تمول بعض الجماعات السنية لتسبب المتاعب للرئيس السوري بشار الأسد، وهو حليف بارز لكل من روسيا وإيران، وكان المطروح في واشنطن أن من شأن زعزعة وضع الأسد أن يساعد على زعزعة المجال الاقتصادي الأوراسي.

والمصالح الروسية في سوريا هي المصالح الاقتصادية (الأسلحة) والطاقة وقاعدة بحرية، أما مصالح إيران فهي مصالح أيديولوجية في المقام الأول.

وقد أدرك بوتين أن القوى المناوئة للأسد مؤلفة أساساً من جماعات متشددة، وحذر الولايات المتحدة من دعم هذه الجماعات، ودافع عما وصفه بحق الأسد في استئصال هذه الجماعات من داخل سوريا.

ورد أوباما على ذلك بالتهديد بتحرك عسكري في سوريا، إلى أن تدخل بوتين ليتولى المسؤولية عن دعم الأسد وإخراج أي أسلحة كيماوية موجودة تحت سيطرته، شريطة أن تعد أميركا بوقف إغراق البلاد بـ»المساعدات«. وقد كان تنظيم داعش إحدى الجماعات في سوريا التي استفادت من المعدات الأميركية، ولدى التنظيم الآن جيش يحاول اقتحام بغداد، فمن هو حليف أميركا الآن في إنقاذ العراق؟

لقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أخيراً أن الجيش السوري التابع للرئيس الأسد كان يهاجم بالفعل قواعد داعش المجاورة لحدود العراق بطلب من بغداد، مساعداً أميركا بذلك في إنقاذ استثمارها في العراق، حتى قبل أن يقرر أوباما الأولوية التي يمكن أن يساعد بها. ونلاحظ أنه قبل الأولمبياد الشتوي الذي أقيم في سوتشي الروسية أوائل العام الجاري، كانت أميركا منزعجة حيال سلامة لاعبي العالم في ضوء الهجمات التي شنها المسلحون الشيشان، وقد رد بوتين على ذلك بتأكد أن هؤلاء المقاتلين لن يكون لهم تأثير على الأولمبياد.

وحتى وقت قريب كانت وزارة الدفاع الروسية منشغلة إلى حد كبير بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة، بحيث كانت تسهم في مناورات عديدة مشتركة مع القوات ألأميركية، وليس فقط في المناورات المشتركة مع القوات الأميركية الخاصة في فورت كارسون بولاية كولورادو عام 2012، وإنما كذلك في مناورات »النسر الشمالي« في بحار النرويج، التي أعدت خصيصاً للتدريب على العمليات المشتركة للتصدي للإرهاب. ومشكلة الإرهاب لا تنتهي هنا، فمن المعروف أن عناصر ماليزية وإندونيسية تنخرط في تنظيم داعش الذي يقاتل في سوريا ويكتسح مدناً بكاملها في شمال العراق.

إن إدارة أوباما بدلاً من استثمار القيمة الواضحة للأولمبياد ذريعة لتعاون أكبر مضاد للإرهاب مع روسيا، نظرت إلى أولمبياد سوتشي باعتباره الوقت المثالي لجعل حياة بوتين بائسة، من خلال الإعداد للانقلاب في أوكرانيا، وقلب الوضع الاقتصادي القائم المناسب لروسيا.

وبينما كان بوتين مهتماً إلى حد الاستحواذ بالإرهابيين، كان أوباما مهتماً إلى حد مماثل ببوتين. والآن في ضوء الموقف في العراق، ليس هناك خيار أمام أوباما إلا أن يبعد ناظريه عن هدفه المفضل، وأن يتجه إلى أولويات أكثر أهمية. وهو إما أن يفعل ذلك، وإما أن يفقد الرؤية الصحيحة للوضع العالمي.

Email