حرب غزة ومخاطر تفجير المنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الثامن من يوليو 2014 بدأت إسرائيل حرباً مفتوحة على غزة. ردت فصائل المقاومة الفلسطينية بتوحد مواقفها وسلاحها، وبدأت بإطلاق الصواريخ باتجاه كامل الأراضي الإسرائيلية.

ووسط تخاذل عربي وإسلامي وصمت دولي مريب، وعلى وقع آلاف الأطنان من المتفجرات الإسرائيلية على غزة، تزايدت أعداد القتلى على الجانب الفلسطيني، فتجاوزت بتاريخ 31 يوليو 2014 الألف وأربعمئة شهيد، وأكثر من ثمانية آلاف جريح فلسطيني، مقابل ستة وخمسين قتيلاً وثلاثمئة وخمسة وسبعين جريحاً إسرائيلياً.

كان واضحاً منذ البداية أن اتفاق الفصائل الفلسطينية على تشكيل حكومة وحدة وطنية في طليعة الأسباب الكامنة وراء حرب إسرائيل المفتوحة على غزة لمنع توحيد الجبهة الفلسطينية الداخلية على قاعدة الكفاح المسلح لاسترداد الحقوق المشروع للشعب الفلسطيني.

ورغم الخسائر البشرية والاقتصادية الكبيرة، نجحت المقاومة في كسب التأييد للرد العسكري المستمر على إسرائيل. ودعم الشعب الفلسطيني بقوة موقف الرد العسكري والسياسي المتشدد في مواجهة أسلوب التمييز العنصري الذي تمارسه إسرائيل. وبعد صدور بيانات لا حصر لها عن مجلس الأمن ودول كبرى تدعو جميعها إلى ضبط النفس والقبول بهدنة مؤقتة باتت الصورة شديدة الوضوح:

أولاً: تصر إسرائيل على تدمير مراكز القوة الفلسطينية التي أحدثت رعباً شديداً لدى سكان المستوطنات، وتدمير الأنفاق التي فاجأت جنود إسرائيل وأنزلت بهم خسائر عسكرية مؤثرة. ومن المؤكد أن صناع القرار في إسرائيل ليسوا على قناعة بأن حماس وباقي فصائل المقاومة ستلتزم بوقف شامل لإطلاق النار لا يحقق الحد الأدنى من المكتسبات الثابتة للفلسطينيين. وهي ترفض الوعود الزائفة برعاية واشنطن التي تدعم إسرائيل بالسلاح والذخيرة وتؤيد موقفها.

وتردد مع قادتها أنه لا توجد دولة ذات سيادة تقبل بإطلاق الصواريخ على أراضيها. وقد منعت الولايات المتحدة أية منظمة دولية من توجيه إدانة لإسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية. وحين دعا مجلس الأمن الدولي إلى وقف إطلاق النار في غزة بتاريخ 28 يوليو 2014، انتقد نتنياهو الدعوة، واتهم المنظمة الدولية بأنها تدعم حماس وتتجاهل احتياجات إسرائيل الأمنية.

ثانياً: منذ انهيار عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية في أواخر التسعينات، لم تعد الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي مصدر ثقة بالنسبة إلى الفلسطينيين، وذلك بسبب انحيازها التام إلى جانب إسرائيل، ولأنها تغض النظر عن تدابير حكوماتها غير الإنسانية ضد سكان غزة بشكل خاص وباقي الفلسطينيين.

وفي ظل مفاوضات بائسة تم تهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين، واستبيحت مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية وأراضي فلسطين عام 1948 لبناء مستوطنات بأعداد هائلة . فقطعت إسرائيل الطريق نهائياً على التفكير بأي حل سلمي وعادل للصراع العربي الصهيوني. فعادت فصائل المقاومة إلى التوحد مجدداً على قاعدة الكفاح المسلح.

ثالثاً: حين فشلت المبادرة المصرية في وقف إطلاق النار تزايدت حدة الصراع الدموي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتحتل مصر موقعاً متقدماً في عملية التهدئة نظراً لدورها التاريخي في الحرب والسلم . فهي متصلة جغرافياً بقطاع غزة من خلال معبر رفح الذي يشكل الممر الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجي.

ومن المتوقع أن تبلور الحرب الإسرائيلية على غزة موقف مصر في عهد الرئيس السيسي من المقاومة الفلسطينية بشكل خاص، والصراع العربي الصهيوني بشكل عام. وهي تتعامل بروية مع حرب مدمرة ذات أبعاد استراتيجية قد تحدث تغييراً جذرياً في خارطة الشرق الأوسط.

ومع أنها تولي اهتماماً خاصاً بوقف إطلاق النار استجابة لضغوط عربية وإقليمية ودولية، إلا أنها تتخوف من تأثير الوضع المتفجر في غزة على شبه جزيرة سيناء وانعكاساته الأمنية على الداخل المصري.

فمشاعر الاستياء المتزايدة لدى شعب مصر ضد حماس تمنع النظام المصري من رعاية تهدئة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون الإعلان رسمياً عن خارطة طريق واضحة لمفاوضات سلام حقيقي لإيجاد حل دائم وعادل للصراع العربي- الصهيوني. علماً أن انحياز حركة »حماس« إلى جانب حكم الإخوان المسلمين في مصر دفع الحكومة المصرية إلى التبصر ملياً في مسار التهدئة وأبعادها المستقبلية على الشعب المصري، وسبق للنظام المصري أن اتخذ إجراءات صارمة ضد جماعة الإخوان المسلمين، وفرض حظراً على حركة حماس.

أخيراً، بعد ظلال الشك الكبيرة حول المبادرة المصرية المدعومة دولياً في ظروف داخلية وإقليمية لا توحي بنجاحها، طرحت تساؤلات مهمة حول مستقبل الصراع في غزة، ومخاطر تحوله إلى انفجار كبير يهز منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

فهل خرجت حرب إسرائيل على غزة في عن نطاق السيطرة فدخل الصراع العسكري بين إسرائيل والفلسطينيين مرحلة البحث عن حلول جذرية لأزمة الشرق الأوسط، أم تستعاد مفاوضات السلام على أسس جديدة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين؟

ختاماً، تتمسك كل من إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية بأهدافها الجذرية التي تقطع الطريق على أية تهدئة ممكنة. لذا تخشى الدول الكبرى من توسيع نطاق الحرب بين الجانبين.

وقف الحرب على غزة بات يتطلب حلولاً جذرية تؤثر سلباً في مستقبل قادة النظام الإسرائيلي. فهل ينجح المجتمع الدولي في احتواء هذا الصراع قبل أن يتحول إلى حريق شامل في الشرق الأوسط؟

Email