تنظيم داعش يهدد باجتياح لبنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

التمدد العسكري السريع والخاطف لتنظيم »داعش« مطلع يونيو الماضي، حمل دلالات سياسية وعسكرية خطيرة وذات أبعاد استراتيجية، إقليميا ودوليا. وصاحب ذلك التمدد في العراق، مشاهد مروعة من العنف الهمجي الذي لا يمت بصلة إلى القيم الدينية أو الأخلاقية أو الإنسانية.

وقد ألقى ظلالا مرعبة على الساحة اللبنانية، التي تعاني من تفاقم الأزمات الحادة، في ظل وضع سياسي داخلي مأزوم، وطبقة سياسية فاسدة ومرتهنة إلى الخارج الإقليمي والدولي. ثم تزايد قلق اللبنانيين على مصيرهم ومستقبل وطنهم، بعد أن اتخذ تنظيم »الدولة الإسلامية في العراق والشام« قراره المدوي في 27 يونيو، والذي أعلن فيه بوضوح تام عزمه على غزو لبنان.

وأعقبته بتفجيرات أمنية حملت بصمات القاعدة والقوى التكفيرية، التي أرسلت أعدادا متزايدة من الانتحاريين لنسف ركائز الأمن والاستقرار في لبنان. فاتخذت القوى الأمنية اللبنانية على الفور إجراءات أمنية استباقية في معظم المناطق اللبنانية، وقامت بمداهمات في العديد منها بعيدا عن الإعلام.

ومع ارتفاع منسوب الخوف من عمليات نوعية يقوم بها تنظيم »داعش« في بعض المناطق اللبنانية، تمهيدا للاجتياح الكبير وتحرير المعتقلين الداعشيين من سجن رومية المركزي ثم تدميره بالكامل، والعمل على إسقاط النظام اللبناني بالقوة العسكرية، بات اللبنانيون في حالة قلق شديد على وجودهم ومصير وطنهم كدولة مستقلة ذات سيادة على كامل أراضيها. وتفاقم الوضع بعد أن نشرت صحف عدة بيانا يحمل توقيع »لواء أهل السنة في بعلبك«، يهدد ويتوعد باستهداف الكنائس واعتبار المسيحيين في لبنان صليبيين.

فصنف التنظيم في خانة »داعش«، وتم تحذير اللبنانيين من مؤامرة كبيرة تعد لترويعهم وتهجيرهم من قراهم ومدنهم، في سيناريو مبرمج يؤسس لتجدد الحرب الأهلية، ويندرج ضمن مخطط إقليمي شامل لتهجير المسيحيين من لبنان.

وحين تحدى وزير الداخلية، نهاد المشنوق، ذلك التنظيم عبر وسائل الإعلام، وأكد أن لبنان بكل طوائفه ليس بيئة حاضنة للمنظمات التكفيرية والإرهابية، رد عليه »لواء أحرار السنة بعلبك« بالقول: »أنت وأجهزتك الأمنية الصليبية التي تتباهى بها، تتمتعون بدرجة عالية من البساطة والسخافة. لذا ستعجزون عن منعنا من تنفيذ عملياتنا الجهادية المباركة أينما نريد ومتى نشاء«.

وعلى الفور رد »تجمع أبناء بعلبك« بنفي وجود تنظيم وهمي بهذا الاسم في مدينتهم ومنطقتهم، فاللبنانيون متماسكون ومتعاونون لصون وحدتهم الوطنية في مجتمع تعددي متنوع، يحترم جميع الأديان والمذاهب والقوميات.

وبلغ القلق أقصى مداه حين نشر معظم الصحف اللبنانية في العاشر من يوليو الجاري، مقالات أو تقارير تحذر من قرب اجتياح داعش للبنان. وحمل أحد التقارير عنوانا مثيرا: »هل تجتاح داعش لبنان.. الخطة الكاملة؟«.

وتضمن التقرير ست نقاط أبرزها أن الاجتياح سينطلق من جرود جبال القلمون، وتحديدا من السفح الغربي للسلسلة الشرقية الفاصلة بين لبنان وسوريا، حيث تجمعت قوة كبيرة من مسلحين ينتمون إلى جنسيات عربية ودولية مختلفة، يقدر عددهم بنحو 3500 إلى خمسة آلاف مسلح، يتحصنون الآن في أماكن وعرة المسالك وتمتد على شريط جبلي يزيد عرضه على سبعين كيلومترا، ويستخدمون المغاور الطبيعية والأنفاق التي يصعب تدميرها من الجو، ويمتلكون ترسانات ضخمة من الأسلحة والذخائر، ولديهم موارد مالية كبيرة، ويعتمدون في تموينهم على سكان القرى المجاورة، والنقل على ظهور الحيوانات.

ويستعد هذا الجيش الضخم للقيام بعملية عسكرية كبيرة، تطال جميع الأراضي اللبنانية في آن واحد، وتمهد لها بسلسلة من التفجيرات في أكثر من منطقة، وبعمليات انتحارية ضد أهداف نوعية، عسكرية ومدنية لبنانية، إلى جانب محاولة اغتيال شخصيات كبيرة، وتحريك خلايا داعشية نائمة في بعض المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية عسكريا.

وذلك بالتنسيق والتعاون مع بيئة حاضنة لداعش في بعض المدن والمناطق اللبنانية، وفي بعض المخيمات الفلسطينية، وبعض تجمعات النازحين السوريين.

وأشارت وسائل الإعلام اللبنانية إلى مخطط جاهز لاغتيال رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس الحكومة الحالي تمام سلام، ورئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، ووزير العدل أشرف ريفي، ووزير الداخلية نهاد المشنوق.

اللافت للنظر أن واحدا فقط من الشخصيات المهددة بالاغتيال هو رئيس المجلس النيابي من الطائفة الشيعية، والأربعة الآخرين من الطائفة السنية، وتحديدا من »تيار المستقبل« الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري.

دلالة ذلك أن تنظيم داعش يحمل مشروعا سياسيا بشعارات طائفية أو مذهبية خادعة، فسلسلة الاغتيالات التي ينوي القيام بها، والسيارات المعدة للتفجير التي ينوي القيام بإرسالها إلى لبنان، ستطال جميع المناطق والطوائف بدون استثناء.

نخلص إلى أنه خلال فترة وجيزة أصبح تنظيم »داعش« أكثر التنظيمات الإرهابية خطورة في الشرق الأوسط، وهو يتحرك بحرية واسعة على الساحتين العراقية والسورية، ويحضر لاجتياح لبنان عبر عمليات إرهابية تستهدف السيطرة على مواقع استراتيجية، من شأنها أن تزعزع أمن واستقرار لبنان وتهدد سلمه الأهلي.

وقد نفذ التنظيم فعلا ثلاثة تفجيرات انتحارية ضربت مناطق متفرقة في لبنان، فرد الجيش والقوى الأمنية اللبنانية بتدابير عملية وفق خطة أمنية استباقية لإفشال مخطط داعش للسيطرة على لبنان.

ما شهده العراق مؤخرا مؤشر على بداية حرب إقليمية تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وآخر تجلياتها الحرب الإسرائيلية المفتوحة ضد غزة منذ 8 يوليو.

فسيطرة »داعش« على مناطق واسعة في العراق وسوريا، والدعم الخارجي الذي تلقاه من تركيا ودول عربية وغربية، تغري هذا التنظيم بفرض سيطرته على مناطق واسعة في الشرق الأوسط، ورسم حدود جديدة تحقق أحلام الأكراد بقيام دولة كردستان التاريخية، وأحلام اليهود بإسرائيل الكبرى بين الفرات والنيل.

ولا شك في أن التغييب المتعمد للسلطات الشرعية في لبنان، يزيد من مخاطر انهيار نظامه السياسي أمام خطر مشروع داعش الزاحف.

Email