حرب انتقام أم حرب للسلام؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن موضوع اختفاء المستوطنين الثلاثة في المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل أمنياً في الخليل، سوى الذريعة التي انتظرتها حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، لإعادة خلط الأوراق وتحقيق جملة من الأهداف.

أرادت إسرائيل تدمير المصالحة الفلسطينية، وإرغام السلطة الوطنية على حل حكومة الوفاق، باعتبارها أول الأشكال الملموسة لتحالف الرئيس محمود عباس مع من تسميهم إسرائيل بالإرهابيين، والمقصود حركة حماس. وأرادت حكومة نتنياهو أن تخرج من عزلتها الدولية إثر مواقفها المتطرفة، والمسؤولة عن اختفاء المستوطنين الثلاثة.

الاستثمار الإسرائيلي لعملية اختفاء المستوطنين الثلاثة في الثاني والعشرين من الشهر المنصرم، يصل إلى مستوى الحاجة لإعادة تعزيز التحالف الحاكم بعد أن دبت التناقضات في صفوفه، ارتباطاً باختلاف المواقف من العلاقة مع الولايات المتحدة وجهودها السلمية.

العملية انتهت باكتشاف جثث المستوطنين الثلاثة وبشعور عالٍ بخيبة الأمل والفشل الأمني. وتعويضاً عن هذا الفشل بادرت الحكومة الإسرائيلية لشن حملة واسعة شملت كل مدن وقرى الضفة الغربية، واعتقلت خلالها أكثر من سبعمئة من قيادات وكوادر حماس وفصائل أخرى، واستهدفت أيضاً ترويع الناس، وإضعاف السلطة الوطنية، وشل قدرة حكومة الوفاق على العمل.

 

حكومة نتنياهو لم تتوقع اندلاع هبات شعبية لمواجهة حملتها، شملت القدس وكل مدن الضفة، وانتقلت شرارتها إلى الأراضي المحتلة عام 1948، ذلك أن الرئيس عباس، كان قد عبر علناً عن رفض السلطة لقيام انتفاضة شعبية ثالثة في الضفة.

وحتى تتفرغ لمواجهة الأحداث في الضفة والداخل الفلسطيني، أرادت حكومة نتنياهو تحييد جبهة قطاع غزة. لكنها أخطأت في طريقة تحقيق ذلك، حين صعدت القصف ضد القطاع، واغتالت اثنين من نشطاء المقاومة قبالة منزل نائب المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية.

اعتقدت حكومة نتنياهو، أن رسائلها القوية والدامية لقطاع غزة، سترغم حركة حماس على القبول بتهدئة مجانية، مقابل توقف الأعمال الحربية الإسرائيلية، غير أن الأمور اندفعت في اتجاه مختلف، نحو مجابهة واسعة مع الاحتلال.

والواقع أن حركة حماس وجدت في التصعيد الإسرائيلي فرصة لإعادة فرض حضورها، خاصةً وأنها لا تملك خيارات أخرى في ظل توقف المصالحة، بعد أن سلمت أمر الحكم لحكومة الوفاق، الأمر الذي ترك لديها شعورا بالخديعة، وبأن المصالحة لم تكن أكثر من فخ لتعميق أزماتها.

التصعيد على جبهة قطاع غزة، بدا وكأنه ينطوي على ورطة لحكومة نتنياهو، التي أصبح عليها مواجهة الشعب الفلسطيني في كل أنحاء الضفة وغزة والقدس، والداخل الفلسطيني.

فمنذ أكثر من أسبوع، لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية بمختلف أنواعها، عن توجيه ضرباتها على كل قطاع غزة. وفي تعليقه على ما يجري، اعتبر رئيس أركان جيش الاحتلال مرةً أخرى، أنه ظهر فشل الأجهزة الاستخبارية جلياً، حين لم تنجح في التوصل إلى معلومات حول قدرات المقاومة، وتكتيكاتها، وجديد تسليحها.

ولم يصدق أحد ما كان قاله القيادي في حماس الدكتور محمود الزهار قبل أكثر من شهر، من أن صواريخ المقاومة تغطي كل مدن فلسطين التاريخية، حتى أصبح ذلك حقيقة، حيث وصلت الصواريخ إلى حيث لا تتوقع إسرائيل، وهي سابقة خطيرة في تاريخ الصراع، فلم يسبق أن تعرضت إسرائيل لمثل هذا التهديد، لا من الجيوش العربية عبر حروبها السابقة، ولا من حزب الله خلال تصديه للحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006.

أمام هذا الواقع، ظهر الارتباك واضحاً على القيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية، وكان من اللافت أن ينعقد المجلس الوزاري الأمني المصغر لساعات طويلة وخلال أيام متتالية، دون أن ينجح في اتخاذ قرارات حاسمة.

حركات المقاومة في قطاع غزة فرضت معادلات جديدة، وأمعنت في تهشيم قدرة الردع الإسرائيلية، وأفقدتها القدرة على المبادرة، حيث لم تعد إسرائيل قادرة على التراجع نحو التهدئة دون أن تدفع ثمن ذلك، ولا هي قادرة على تصعيد عدوانها إلى حرب برية لا هدف لها، طالما لا تبتغي القضاء على حركة حماس والمقاومة في قطاع غزة، انطلاقاً من أن وجود حماس في غزة يشكل الضمانة لبقاء الانقسام من وجهة نظر إسرائيلية.

كما تخشى إسرائيل من مفاجآت غير سارة في حال توغلت برياً في قطاع غزة، الأمر الذي يسجل على حكومتها المزيد من الفشل، الذي قد يؤدي إلى سقوط التحالف الحكومي، وإلى أن يدفع نتنياهو شخصياً الثمن.

ولذلك تكتفي إسرائيل بإضعاف الطرفين، حماس والسلطة، في الوقت ذاته. فشلت إسرائيل في تحقيق أي من الأهداف التي سعت لتحقيقها، وبدا المجتمع الدولي وكأنه شامت بحكومة نتنياهو، التي أدى تطرفها إلى النيل من هيبة الإدارة الأميركية، من خلال إفشال مبادرتها للسلام.

وإلى حين إيجاد مخرج لتحقيق تهدئة، يبدو أن المجتمع الدولي سيترك الطرفين لإدماء بعضهما، تمهيداً لإعادتهما إلى طاولة المفاوضات، حتى لو استدعى ذلك، بعض العمليات الجراحية هنا أو هنالك.

 

كاتب فلسطيني

Email