»سقيا الإمارات« والتنمية المستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُعتبر المياه من أهم عناصر تحقيق التنمية المستدامة، بمعناها الفعلي المنشود في معظم أدبيات التنمية المعاصرة. وما تعنيه التنمية المستدامة، باختصار، هو تحقيق الأهداف المنشودة للأفراد والجماعات البشرية الحالية، مع الاحتفاظ بحق الأجيال القادمة في مصادر التنمية المختلفة.

وإضافة للجوانب المادية المباشرة في التنمية المستدامة التي ترتبط بالتقدم الاقتصادي والبيئي، فإنها ترتبط أيضا بالحفاظ على الجوانب الاجتماعية، من خلال خلق علاقات توافقية بين الشرائح الاجتماعية المختلفة، تضمن حقوقا تنموية للجميع بغض النظر عن اللون والنوع والدين وغيرها من أشكال التمايز المختلفة.

ويمكن القول باختصار إن التنمية المستدامة يجب أن تكون تعبيرا واضحا وفعليا وحقيقيا عن كرامة الإنسان، في معانيها المادية والمعنوية على السواء.

وفي هذا الإطار تبرز مبادرة »سقيا الإمارات« التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تعبيرا عن تلك المعاني العديدة والعميقة التي ترتبط بالتنمية المستدامة.

فأولا، جاءت المبادرة انطلاقا وتعبيرا عن حاجة ملحة لخمسة ملايين شخص حول العالم يحتاجون للمياه، وهي بهذا المعنى لا تنطلق نحو أهداف شكلية عابرة، وإنما تركز على الحاجات الملحة للأشخاص بما يصب في مصلحتهم المباشرة واحتياجاتهم الضرورية، وهي بهذا تتجاوز الأشكال النمطية للمساعدات التي ترتكز على الجوانب المالية المباشرة التي لا تحقق شيئا لأصحاب المصلحة الفعلية.

ويُحسب لدولة الإمارات منذ الشيخ زايد رحمه الله، مرورا بأبنائه الكرام وباقي حكام الإمارات، توجيههم المساعدات نحو برامج تنموية مباشرة، تصب في المجالات التعليمية والصحية والاحتياجات المباشرة للناس ومنها المياه والمسكن، وهو أمر ظهر جليا في مبادرة »سقيا الإمارات«. وهذا النوع من المبادرات يعني أن القائمين عليها تهمهم في الأساس الفائدة العائدة من ورائها، كما يعني أن تلك المبادرات تنطلق من أسس وقواعد مدروسة بغية تحقيق أقصى فائدة ممكنة.

وثانيا، ترتبط هذه المبادرة ببعد آخر في التنمية المستدامة ويحققها، وهو إشراك الأشخاص في تنفيذ احتياجاتهم والمشروعات التنموية الخاصة بهم، ومتابعتها في مراحل التنفيذ المختلفة. فلا شك أن الأشخاص الذين يحتاجون للمياه سوف يشاركون لا محالة في عمليات الحفر والتنفيذ المختلفة، كما أنهم لن ينفصلوا عن فرحة انبثاق المياه وتذوقها والتهليل لها. وهي مسألة قد تبدو عادية للبعض، لكنها بلا شك تمثل حالة ولادة فارقة بالنسبة لمن يفتقدون المياه ويأملون حيازتها والاستفادة منها.

وثالثا، يمكننا أن نطلق على هذه النوعية من المشروعات التنموية »مشروعات الكرامة«، وهو بعد أصيل ضمن أبعاد التنمية بشكل عام، والتنمية المستدامة بشكل خاص. فالتنمية التي لا تضع ضمن اعتباراتها الحاجات الأساسية للبشر بما يؤمّن يومهم ويصون كرامتهم، تنمية شكلية تصب في إطارات مفرغة لصالح فئة محدودة، وبعيدا عن الاحتياجات الفعلية لغالبية المواطنين.

إن مبادرة »سقيا الإمارات« تصب بشكل مباشر في تحقيق وصيانة كرامة البشر الحاليين والأجيال القادمة على السواء، فمن يضمن وجود مصدر مائي متاح لا يأمن على حياته فقط، بل على نظافته وصحته وزراعته، وبالتالي فهو يأمن على أسرته ومن يقع تحت كنفه.

فوجود مصادر متاحة ونقية للمياه، لا يقع فقط ضمن إطار الحاضر، بل يتعداه إلى ضمانة حياة آمنة ومستقرة وكريمة في المستقبل. حققت مبادرة »سقيا الإمارات« أبعادا عديدة ترتبط بكافة أدبيات التنمية المستدامة، بل إنها قدمت المثال الواقعي لكيفية استشعار حاجات البشر، سواء في عالمنا العربي أو في أماكن أخرى حول العالم.

وهى مبادرة تعكس بلا شك عمق وبصيرة قادة الإمارات، والدور التنموي العميق المرتبط بتوجهاتهم وسياساتهم المختلفة. جزى الله الشيخ محمد بن راشد وكافة حكام الإمارات خيرا عن مبادراتهم الكريمة، وجعلهم دائما سباقين إلى الخير في هذا الشهر الكريم، وكل عام وأنتم بخير.

Email