عوشة ومسلسلات رمضان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كالعادة التقت عوشة بجاراتها بعد صلاة التراويح في ثالث أيام رمضان، وكانت أحاديثهن كنسيم البحر تشرح الصدر، ولكن أم فوزي لم تكن تشاركهن الحديث، فقد كان هناك ما يشغل تفكيرها، استأذنت من الحاضرات تريد العودة إلى بيتها..

عوشة: لمَ العجلة؟ هذا أول يوم نراكِ فيه في رمضان! أم فوزي: أريد أن أشاهد المسلسل. عوشة: لكنكِ طوال النهار جالسة أمام التلفاز من مسلسل إلى مسلسل. أم فوزي: هذه المسلسلات تسلية للصائمين يا عوشة. عوشة: هذا شهر الاجتهاد في العبادة وليس شهر المسلسلات، اجلسي معنا فإن لحضورك مجلسنا طعماً آخر، وأخبرينا ماذا فعلت في اليومين الماضيين.

أم فوزي: لا شيء يُذكر، بما أن الشيطان »أوفلاين« حالياً، لقد دعينا في اليوم الأول من رمضان إلى حفلة خاصة أقامها مدير زوجي في العمل، وعند وصولنا كان ثمّة موظف عند الباب وقال: الدخول بدعوة! فقلت له: الله يسعدك دنيا وآخرة، فضحك وسمح لنا بالدخول، وكانت زوجة هذا المدير دائماً تدّعي أنها لا تأكل على الإفطار إلا »سلتة«، وعندما رأيتها كانت أصابع يديها الاثنتين تلمع من زيت السنبوسة، والأدهى من كل ذلك أنها بدأت تغيظني بما تلبس من حلي، وأرتني الخلخال الذي في قدمها، وأنا أبتسم وأقول في نفسي »على الأقل قبل أن تلبسي الخلخال برجلكِ اغسليها أولاً«.. والمصيبة الكبرى أنها عندما رأت فوزي بدأت تمازحه وتدغدغه بأظافرها وهو يصيح من دغدغاتها التي تشبه استئصال الكبد. واليوم الثاني قضيته كله وأنا أحاول أن أسجّل أوقات المسلسلات التي سأتابعها، لكن هذا أمر صعب جداً فهناك طوفان من هذه المسلسلات على كل القنوات!

عوشة: يا أم فوزي، في شهر رمضان تصفد الشياطين وتفتح أبواب الجنان، ولكن يبدو أن هناك للأسف شياطين من نوع آخر يظهرون على شاشات التلفاز، ويعملون على تشتيت انتباه الناس عن أداء العبادات والفرائض في رمضان، وأنت ممن يتبعون هؤلاء الشياطين، لقد أصبح شهر رمضان للقنوات التلفزيونية ولكثير من المنتجين والمخرجين والممثلين، شهر التجارة وتسويق المسلسلات التي تفتقد الثقافة والمعرفة، غير مكترثين بالآثار التربوية السلبية التي تتضمّنها هذه المسلسلات، والتي يكون وقعها أكثر على الشباب والمراهقين من الجنسين.

أم فوزي: أليس أفضل من بعض القنوات التي تدعو إلى الهداية والصلاح بطرق منفّرة! فمثلاً أمس كنت أشاهد إحدى هذه القنوات، وبدأ فيلم رعب: أيها العااصي صي صي.. إياك والذنوب وب وب.. فشعرت بالخوف ولم أستطع أن أجد الريموت كي أغيّر القناة، وبدأت أصرخ على فوزي ليجده ويغيّر القناة: فوزي زي زي، الحقني ني ني.

عوشة: من الممكن أن تكوني على حق في هذا الأمر، لكن هذا لا يعني أن نعالج الخطأ بخطأ أعظم منه.

إن هدف هذا الطوفان من المسلسلات المفرّغة من القيم الإيجابية في رمضان، هو صرف الصائمين عن المعنى الحقيقي للصيام والعبادة وقراءة القرآن وحفظه، ونحن بجهلنا نساهم في انتشار هذه الظاهرة على هذا النحو المؤسف.

قال نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام »من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه«، وهذا هو الجهل بعينه. لا يخفى على أحد أن ثمّة انحداراً في المشهد الثقافي العربي تجسّده هذه الدراما المفرّغة من المعاني، التي تنقصها القيمة الفنية في طرح الأفكار والنصوص، كما أن الكثير منها يحوي ألفاظاً سيئة لا تليق، وتدعو إلى معانٍ رذيلة وأفكار منافية للأخلاق، وتحتوي على قدر كبير من العنف، ما يؤدي بدوره إلى نشوء سلوك عدواني تراكمي تظهر نتائجه فيما بعد، ولا سيّما عند الأطفال الذين يشاركون الكبار في مشاهدة هذه المسلسلات التي تلوّث ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتغرس قيماً مشوّهة لدى أطفالنا، ناهيك عن التأثيرات السلبية الصحية والنفسية لهذه المسلسلات.

وتواصل عوشة نقدها اللاذع وتذمرها: وأنا لا أقول هنا إن الفن كلّه هابط، لكن طغيان الفن الهابط لم يترك للفن الأصيل مكاناً. أم فوزي: لكن يا عوشة الجمهور يريد هذا المستوى من المسلسلات.

عوشة: هل معقول أن المشاهد العربي أصبح سطحياً لهذه الدرجة؟! هل حقاً انحدار أذواق بعض المشاهدين هو الذي يرغم القنوات الفضائية على عرض مثل هذه المسلسلات؟ إن كل شخص مسؤول عن تصرّفاته، وأنا أقولها لكل شخص؛ إياكَ أن تكون مسلسلاً (مكبّلاً) في رمضان للقنوات الفضائية، والمثل يقول »من خلى عمره سبوس يلعبن به الدياي«. أم فوزي: صدقتِ يا عوشة، لقد بدأنا نفتقد تلك المسلسلات العائلية الهادفة الآمنة التي تناسب جميع أفراد الأسرة، والآن بعد أن سمعت هذا الكلام استأذنكن، سأذهب لأتابع مع فوزي مسلسل السنافر.

Email