حتى على الخلافة يختلفون

ت + ت - الحجم الطبيعي

بإعلان تنظيم »داعش« قيام دولة »الخلافة الإسلامية«، وتسمية زعيمه »أبي بكر البغدادي« خليفة للمسلمين، يكون قد أُسدِل الستار على فصل، وأُزِيح عن فصل جديد من فصول الصراع على السلطة والنفوذ بين الجماعات، التي تسمي نفسها جهادية، وترفع لواء الدين المتنازع عليه، خاصة بعد أن دعا المتحدث باسم التنظيم »أبو محمد العدناني« الفصائل الجهادية في مختلف أنحاء العالم، لمبايعة خليفة المسلمين الجديد، ونبه المسلمين إلى أنه بإعلان الخلافة صار واجباً على جميع المسلمين مبايعة ونصرة »الشيخ المجاهد العالم العامل العابد الإمام الهمام المجدد، سليل بيت النبوة، عبد الله إبراهيم«، وبخلافته تبطل شرعية جميع الإمارات، والجماعات، والولايات، والتنظيمات، التي يتمدد إليها سلطانه، ويصلها جنده، فيما دعا البغدادي المسلمين للهجرة إلى دولته، قائلاً إن الهجرة إلى دار الإسلام واجبة.

الانتصارات التي حققها تنظيم »داعش« في الفترة الأخيرة، وسيطرته على مناطق في العراق والشام، كما يبدو، رفعت سقف طموحاته في التوسع، فوفقاً لخريطة نشرتها قبل أيام صحيفة »ديلي ميرور« البريطانية، فإن طموحات »داعش« التوسعية تمتد من شمال أفريقيا حتى إسبانيا، وعبر الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية حتى حدود روسيا، باعتبارها الهدف النهائي.

وأشارت الصحيفة إلى أن دولة »الخلافة« المزعومة تهدف إلى إزالة الحدود التي وضعها الاستعمار بين الدول، وهي الحدود التي يسميها تنظيم داعش »حدود الذل«، وسبق أن احتفل مطلع شهر يونيو الماضي بإزالتها بين سوريا والعراق، وكان ذلك مقدمة لإعلان »الدولة الإسلامية« يوم الأحد الأول من شهر رمضان المبارك، لتمثل بداية فصل من رواية الخلافة القديمة المتجددة، الجديد فيه أن »الدولة الإسلامية« المزعومة تمتلك أرضاً تنطلق منها.

هذه الأرض تمتد من محافظة ديالى شرقي العراق، مروراً بمناطق في محافظات صلاح الدين، ونينوى، والأنبار غرباً، اتصالاً مع محافظة دير الزور شرقي سوريا، والرقة، وصولاً إلى مناطق في ريف محافظة حلب شمالي سوريا، كما أنها تمتلك سلاحاً حديثاً، ومالاً بعض مصادره معروف، وأغلبها غير معروف.

والجديد في هذا الفصل أيضاً أن قيادة »الدولة الإسلامية« الحديثة، تتحدى قيادة تنظيم »القاعدة« القديم، الذي خرجت من تحت عباءته، رغم أن التنظيم هو الذي نصب هذه القيادة في العراق، عندما قتل »أبو عمر البغدادي« عام 2010 في ضربة جوية بمنطقة الثرثار في صلاح الدين.

وقد بدا هذا التحدي عندما أظهر »أبو بكر البغدادي« تمرده على قرارات زعيم تنظيم القاعدة الدكتور »أيمن الظواهري«، الذي رفض إعلان البغدادي قراره بضم جماعة »النصرة« إلى تنظيم »الدولة الإسلامية في العراق« تحت مسمى »الدولية الإسلامية في العراق والشام« المعروفة بـ»داعش«، الأمر الذي جعل الظواهري يدعو البغدادي في تسجيلات صوتية عدة إلى التفرغ لما وصفه بـ»العراق الجريح«، والعودة إلى الأمير »الظواهري« بالسمع والطاعة، وهو ما رفضه تنظيم »داعش«، ودعا الظواهري إلى مبايعة »خليفة المسلمين« الجديد »أبي بكر البغدادي«.

والجديد في هذا الفصل أيضاً هو تحفظ منظر التيار السلفي الجهادي، وأحد أهم المؤثرين فيه، عصام البرقاوي الشهير بـ»أبي محمد المقدسي«، على إعلان قيام »دولة الخلافة« وتشكيكه فيها، وتأكيد موقفه السابق من تنظيم »داعش«، ودعوته للخروج عليه، حيث قال المقدسي تعليقاً على إعلان »دولة الخلافة«، إن ما يهمه جداً هو ماذا سيرتب القوم على هذا الإعلان والمسمى، الذي طوروه من تنظيم إلى دولة عراق، ثم إلى دولة عراق وشام، ثم إلى خلافة عامة.

وتساءل: هل ستكون هذه الخلافة ملاذاً لكل مستضعف، وملجأ لكل مسلم، أم سيتخذ هذا المسمى سيفاً مسلطاً على مخالفيهم من المسلمين، ولتشطب به جميع الإمارات، التي سبقت دولتهم المعلنة، ولتبطل به كل الجماعات التي تجاهد في سبيل الله في شتى الميادين قبلهم؟ كما تساءل عن مصير الإمارات الإسلامية التي أعلنت في القوقاز، وتلك التي أعلنتها طالبان في أفغانستان، وعن مصير الجماعات المسلحة المقاتلة المبايع لها من أفرادها في العراق والشام، وفي كل بقاع الأرض، وما هو مصير دمائهم عند من تسمى بمسمى الخلافة اليوم؟

أيًّاً كان هذا الخلاف والاختلاف، فإننا سوف نضعه جانباً، رغم أهميته، ونتساءل نحن بدورنا: عن أي دولة خلافة يتحدث هؤلاء المختلفون؟ وهل »دولة الخلافة« هذه مصطلح ديني، أم هي مصطلح سياسي مغلف بالدين؟ وإلى أي مدى يُستغَلّ الدين هنا للوصول إلى السلطة؟

لو أننا عدنا إلى الوراء أربعة عشر قرناً، وألقينا نظرة على »دولة الخلافة« في العصر الإسلامي الأول، لوجدنا الكثير من الأجوبة عن هذه الأسئلة، حيث سنجد أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين، الذين يمثلون المرحلة الأولى من »دولة الخلافة«، ماتوا مقتولين، وسنجد أن ثورة قد قامت على الخليفة الراشد الثالث، عثمان بن عفان، رضي الله عنه، بغض النظر عن أسبابها ومن قام بها، وسنجد أن دماء آلاف الصحابة والتابعين قد سالت في معارك بينهم نتيجة خلافات غلبت عليها السياسة وليس الدين، وسنجد أن المصاحف قد رفعت على أسنة الرماح لكسب معارك سياسية، وليست دينية، وسنجد »الخلافة« قد تحولت بعد مقتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، إلى ملك يتوارثه الأبناء عن الآباء، ويقتتلون عليه.

لهذا فإننا نناشد هؤلاء الذين يعيدوننا اليوم إلى المربع الأول، ويمارسون علينا السياسة باسم الدين، ويسعون إلى السلطة باسم الدين، ويسفكون الدماء باسم الدين، نناشدهم أن يرحمونا من هذه اللعبة، لأن الدين بريء منهم، ومما يفعلون بالمسلمين.

Email