حلم التكامل الاقتصادي العربي والتنمية المستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في التاسع عشر من يونيو المنصرم، أتيحت لي فرصة المشاركة في حفل إطلاق التقرير الذي أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، بعنوان «التكامل العربي: سبيل لنهضة إنسانية».

عقد اللقاء في بيروت برعاية مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بهدف إطلاق نقاش معمق استعدادا لانعقاد القمة الاقتصادية والاجتماعية العربية المقبلة بداية 2015 في تونس، وفي إطار المناقشات الجارية لتشكيل الاتحاد الجمركي العربي برعاية جامعة الدول العربية. وفي ظروف احتدام الصراع الدموي الذي يهدد أمن واستقرار دول عربية عدة، بدا الحوار باردا جدا، واقتصر على استعادة مصطلحات رومانسية تبشر بالتكامل الاقتصادي.

بدت الإشكالية الرئيسية التي قدمها عنوان التقرير «التكامل العربي: سبيل لنهضة إنسانية»، في نسخته العربية، و«الاندماج العربي: موجب للتنمية» في نسخته الإنجليزية، ملتبسة جدا، إذ يبشر واضعو التقرير بتحليل واقعي وجديد للتكامل العربي، وصولاً إلى رؤية استراتيجية لتكريسه بشكل فعال، انطلاقا من أن التكامل الاقتصادي هو عصب التكامل الشامل.

وأشارت إشكاليات أخرى إلى هشاشة البنى الاجتماعية الاقتصادية، وتهميش الشعوب العربية في كيانات سياسية، نشأت في إطار استراتيجيات دولية لتقسيم المنطقة العربية إلى دول لا تعبر عن تاريخ مجتمعاتها وأحلام شعوبها.

وبعد تفجر الانتفاضات الشعبية عام 2011 بدت تلك الدول رخوة وشديدة التأثر سلبيا بالتحولات الإقليمية والدولية، فباتت عرضة لنزاعات داخلية واستباحة إقليمية ودولية. بيد أن حلم التكامل العربي الذي تبلور في أواسط القرن العشرين، أخلى مكانه لدعوات تنادي اليوم بالانفصال، وإعادة تجزئة التجزئة التي أطلقتها اتفاقيات سايكس بيكو برعاية بريطانية وفرنسية إبان الحرب العالمية الأولى. وقدم التقرير إحصائيات تبرز فشل التنمية في المنطقة العربية، التي باتت اليوم أقل تصنيعا مما كانت في ستينيات القرن العشرين، ولا يتجاوز نصيبها من النشر العلمي على المستوى العالمي 1%، في منطقة جغرافية شاسعة تضم أكثر من 350 مليون عربي.

لقد بنيت استراتيجية التقرير على ثلاث ركائز أساسية: التعاون السياسي العربي والديمقراطية، وتعميق التكامل الاقتصادي وصولاً إلى وحدة اقتصادية عربية، والإصلاح الثقافي والتربوي الذي يعيد إحياء ثقافة الإبداع ويحرر الفكر من نزعات الانغلاق والتطرف والتبعية. وتحدث واضعوه بجرأة عن اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في الوطن العربي، وتزايد حدة القمع والقهر والتهجير والاستباحة والنهب، ونبهوا إلى وجود أزمة ثقافية بسبب تزايد خطر العصبيات الإثنية والمذهبية المتفجرة في أكثر من دولة عربية.

وقدم أرقاما مرعبة لكنها حقيقية، تؤكد أن 20% من العرب تحت خط الفقر، وأن ثلثهم يعاني الأمية، وأن معدل البطالة بين الشباب من أعلى النسب في العالم، وأن نساء العرب هن الأقل مشاركة في الاقتصاد، وأن ملايين اللاجئين والأطفال العرب يتهددهم الجوع. ورغم هذه اللوحة البالغة السواد، تبنى التقرير استراتيجية تفاؤلية تقول بأنه لا سبيل لتجاوز الأزمة إلا بنهضة شاملة، تقوم على بناء حكم ديمقراطي صالح، بالتزامن مع تكامل اقتصادي يبدأ بتخفيف الحواجز أمام التجارة البينية العربية، وخفض كلفة النقل إلى النصف، مما يحقق وفراً قدره 750 مليار دولار، ويخلق ستة ملايين فرصة عمل.

لكن قراءة علمية للكيان الإقليمي العربي في جميع دوله، تؤكد أن التكامل العربي ليس مطروحا الآن على بساط البحث في الدولة العربية، منفردة أو مجتمعة. كما أن الجامعة العربية مشلولة بالكامل، ولا تأثير لها يذكر في تحقيق هدف التقرير السامي، الذي شدد على أن التكامل العربي اليوم ليس مسألة اختيارية، بل حاجة مصيرية.

وتضمن تقرير الإسكوا لهذا العام تحليلاً على قدر كبير من الواقعية، لكن الدعوة إلى التكامل الاقتصادي العربي في هذ الفترة الملتهبة، تحمل الكثير من الأحلام الرومانسية بسبب الأوضاع العسكرية والاقتصادية البالغة السوء على امتداد العالم العربي.

وليست هناك جهة واحدة قادرة على رسم رؤية استراتيجية تجمع العرب على طاولة حوار معمق، لمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، ورسم خطة متكاملة لمواجهة التحولات الكبرى، التي تعصف بالمنطقة العربية بشكل خاص وبمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

وتكمن أهمية التقرير في أنه تنبه إلى نبض التحولات الكبيرة التي أطلقتها الانتفاضات العربية عام 2011، بدءا من تونس وصولاً إلى أرجاء الوطن العربي. فالشعوب العربية تريد تغيير الأنظمة التسلطية والاستبدادية، كمدخل لتحقيق التكامل الاقتصادي والتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة.

Email