مؤتمر روما ودعم الجيش اللبناني

ت + ت - الحجم الطبيعي

جمع المؤتمر الدولي لدعم الجيش اللبناني في روما (17/6/2014)، ممثلين من ثلاث وأربعين دولة، وخرج بتوصيات تطالب بدعم الجيش اللبناني للحفاظ على أمن لبنان واستقراره في ظروف إقليمية بالغة الخطورة، وخاصة بعد انفجار الصراع الدموي في العراق إلى جانب الحرب المستمرة في سوريا للعام الرابع.

المجموعة الدولية لدعم لبنان تضم الدول الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وهي التي قررت عقد المؤتمر وأوكلت تنفيذه إلى الحكومة الإيطالية، علما بأن الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا، في طليعة الدول التي تقدم مساعدات عسكرية ولوجستية للجيش اللبناني، في حين أن السعودية قدمت له هبة بثلاثة مليارات دولار.

ويعد هذا المؤتمر الاول من نوعه لدعم الجيش اللبناني، وقد تزامن انعقاده مع انفجار الوضع العسكري في العراق، وما حمله من مخاوف عبر عنها الجانب اللبناني الذي طلب دعما قويا ومباشرا لمنع تمدد الحرب إلى لبنان بعد تسرب مقاتلين متطرفين من سوريا إليه.

ورغم تغيب وزراء خارجية الدول الخمس الكبرى، وجه المؤتمر موقفا قويا يعبر عن دعم المجتمع الدولي لسيادة لبنان وأمنه، وأجمعت كلمات المندوبين على تسليح الجيش اللبناني، نظرا لأهمية الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية اللبنانية في حماية لبنان واللبنانيين من مخاطر حرب أهلية مدمرة.

وتضمن البيان الختامي للمؤتمر اثني عشر بندا، ركزت على دعم الجيش اللبناني بصفته رمز وحدة لبنان الوطنية، ولأنه مؤهل للحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه. ودعا المشاركون إلى تعزيز قدراته اللوجستية بالتنسيق مع المنظمات الدولية التي تقدم مساعدة للبنان، وطالبوا القيادات السياسية اللبنانية بعمل مشترك لتفعيل مؤسسات الدولة اللبنانية، والحفاظ على أمن لبنان السياسي والاقتصادي والعسكري.

وأكدت مجموعة الدعم الدولية على حشد المزيد من الدعم للبنان في مجالات أساسية، وخاصة مساعدة الدولة اللبنانية على رعاية اللاجئين السوريين، وتمويل برامج حكومية ترعى شؤون الذين تضررت مصالحهم من جراء الأزمة السورية، ومساعدة لبنان على مواجهة أعباء النزاعات العسكرية المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط.

وقد بلورت توصيات مؤتمر روما لدعم الجيش اللبناني، توجهات سياسية عدة، أبرزها:

أولاً: شددت كلمات المندوبين على أن الهدف الأساسي الأول للمؤتمر هو دعم الجيش اللبناني، لكي يصبح القوة العسكرية الوحيدة التي تحتكر التسلح والتدريب، باعتبار أن الجيش الوطني رمز لقوة الدولة المركزية والضامن الوحيد لسيادتها واستقلالها.

وقدمت قيادة الجيش بيانات واضحة للدول المعنية بتسليحه، تبرز الأولويات والاحتياجات في حال تقديم السلاح الذي يحتاجه الجيش في هذه المرحلة بالذات. وتتضمن تفاصيل لوجستية وتسليحية تساعد كل دولة مشاركة على تحديد ما تستطيع تقديمه منها لتسليح الجيش وتدريبه. وتبرعت إيطاليا بتقديم دورات تمهيدية متكاملة لتعليم اللغة الإيطالية للضباط المشاركين.

ثانيا: حذرت التوصيات من استمرار مشاركة قوى عسكرية لبنانية في الحرب الدائرة في سوريا، وطالبت بتطبيق سياسة النأي بالنفس تجاه الأوضاع في سوريا والعراق.

كما طالبت بإبعاد الخطر الخارجي الإرهابي عن لبنان، لأنه يزيد الانقسام الداخلي فيه نتيجة تطييف النزاع. ورد بعض المسؤولين اللبنانيين بأنه لا يجوز أن يكون الهدف من دعم الجيش اللبناني، هو خلق توازن عسكري داخل لبنان لتشجيع الصراع الدموي بين اللبنانيين.

فعلاقة لبنان بسوريا تاريخية وجغرافية واقتصادية، وهي عميقة ومعقدة جدا، وموضع خلاف بين اللبنانيين أدى إلى إضعاف الوحدة الوطنية، وبات يهدد نظامه السياسي واستقلاله وسيادته على أراضيه.

ويعاني لبنان من الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، ومن الإرهاب التكفيري الذي بات مصدر قلق شامل لشعوب المنطقة. وذلك يتطلب استراتيجية طويلة الأمد لدعم الجيش اللبناني الوطني، ليبقى قويا متماسكا وقادرا على مواجهة الإرهاب.

ثالثا: أبدت مجموعة الدول الداعمة للجيش اللبناني، أسفها لعدم انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، وأعلنت دعمها الكامل للحكومة اللبنانية القائمة، ولتمكينها من تأدية واجباتها خلال الفترة الانتقالية إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ونوهت بسياسة النأي بالنفس مع الالتزام بإعلان بعبدا، وشددت على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية لأنه يرأس المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، ولأن انتخابه يساعد كثيرا على تنفيذ توصيات المؤتمر.

وأشار مندوبو بعض الدول المشاركة، إلى أن دولهم لا تستثمر في بلد مضطرب أمنيا ومنقسم سياسيا. وطالبوا بدعم الجيش اللبناني بصفته الركيزة الأساسية للاستقرار الأمني، بالتعاون مع القوات الدولية (يونيفيل) من جهة، وبمساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لضمان الاستقرار السياسي من جهة أخرى.

شكل مؤتمر روما تظاهرة دولية لدعم الجيش اللبناني، بعد أن أجمعت وفود الدول والمنظمات المشاركة على دعم خطة خمسية لدعمه، دون أن يتحقق منها سوى القليل رغم مرور عام على إطلاقها.

فالجميع، داخل لبنان وخارجه، في انتظار تأمين الوفاق السياسي لإنتاج سلطة لبنانية منتخبة بصورة ديمقراطية، وذلك يتطلب انتخاب رئيس جديد للجمهورية بصورة دستورية ووفاقية، وإقرار قانون جديد للانتخاب يضمن التمثيل السليم للبنانيين بصفتهم مواطنين أحرارا في دولة ديمقراطية عادلة، وليسوا رعايا في نظام سياسي طائفي أوصل لبنان إلى حافة الانهيار.

Email