عوشة والموهوبون.. رغم صعوبات التعلّم

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً عندما رنّ جرس الهاتف في بيت أم فوزي، فتقدّمت نحوه ورفعت السماعة، فإذا هي إدارة مدرسة فوزي تطلب حضور ولي أمره، فأسرعت أم فوزي إلى الاتصال بعوشة طالبة مشورتها والذهاب معها لتبيّن الأمر.

عوشة في الطريق: لا بدّ من أن الأمر مهم حتى يطلبوا حضور ولي أمر طالب. وصلتا إلى المدرسة، وتوجّهتا إلى غرفة المدير، أم فوزي بارتباك واضح: السلام عليكم حضرة المدير.. أنا «الوليّة»، لم يفهم! فتدخّلت عوشة: تقصد وليّة أمر الطالب فوزي، فقال المدير هازّاً رأسه: يا ست أم فوزي، يؤسفني أن أخبرك بأن معلمي المدرسة أجمعوا على أنه لا فائدة من تعليم فوزي «فالج لا تعالج». أم فوزي: ولكنه ذكي ومجتهد.

المدير: فوزي ذكي! لقد سبّب الإحباط لجميع مدرّسيه، إنه منذ خمس سنوات عندما يُطلب منه كتابة أي موضوع في أي مادة يبدأ بالتحدّث عن الجَمل! أم فوزي: هذا افتراء، إن فوزي عبقري ويجيد الكتابة في أشياء كثيرة، وعوشة تشهد، وهمست في أذن عوشة: أرجوكِ الولد سيضيع. عوشة: يا حضرة المدير، هل من الممكن أن نجري اختباراً لفوزي حتى نتأكد.

جاء فوزي وطلب المدير من أمه أن تختار له أي موضوع ليكتب فيه، فطلبت منه كتابة موضوع عن العمالة الآسيوية في الدولة، فبدأ يكتب «لوجود العمالة الآسيوية في دولة الإمارات العربية المتحدة آثار سلبية كثيرة وأخرى إيجابية، ومن إيجابيات وجودهم أنهم يساهمون في بناء الصحراء، وفي الصحراء يعيش الجمل، والجمل حيوان صبور جداً جداً ويستطيع تحمّل العطش».. فضغطت أم فوزي على فكيها بقوة وهي تقرأ بصعوبة ما يكتبه فوزي.

ولتدارك الموقف، أمسكت عوشة الورقة ومزّقتها بسرعة، وقالت: لا تكمل يا فوزي، هذا موضوع غير مناسب، أنا سأعطيك موضوعاً لتكتب فيه، اكتب عن السياحة. فبدأ يكتب «تعدّ السياحة ثمرة تقدّم وسائل النقل، ومن وسائل النقل التي كانت تُستخدم قديماً الجمل، والجمل حيوان صبور جداً جداً ويستطيع تحمّل العطش».. وقبل أن يكمل قال المدير لأم فوزي: نحن مضطرون لأن نخبركِ أنه عليكِ نقله من هذه المدرسة في العام المقبل، فلم نعد قادرين على تحمّله أكثر.

وهنا استشاطت عوشة غضباً من كلامه وقالت: إن للمدرسة دوراً كبيراً في دعم مهارات الطلبة ورفع معنوياتهم، وبعث روح التحدّي والتحفيز فيهم ومعالجة أوجه الضعف لديهم، وتشجيع مواهبهم في مجالات يبدعون فيها، وليس دورها نقل المعرفة فقط، إن التدريس الجيد مكمّل طبيعي لكل هذه الأشياء.

يجب أن تدرك يا حضرة المدير ويدرك غيرك من القائمين على أمور التعليم، أنكم تتحمّلون جزءاً من مسؤولية ضعف أبنائنا الطلبة بعدم فهمكم الطبيعة الخاصة لبعضهم، فهناك فئة منهم تكون لديهم موهبة واضحة في مجال أو أكثر، ومع ذلك فإنهم يعانون في الوقت نفسه إحدى صعوبات التعلّم، وهذه الفئة موجودة ويطلق عليها «فئة الموهوبين ذوي صعوبات التعلّم»، ويأتي هنا دور المدرسة والمعلمين في إدراك هذا الأمر.

إن من واجباتك كمدير مدرسة ناجح وواجب الكادر التعليمي المخلص، التعرّف إلى الطلبة الذين ينتمون إلى هذه الفئة، ومساعدتهم ورعايتهم وعلاج أوجه القصور وصعوبات التعلّم لديهم، وتقديرهم وتقديم الخدمات النفسية والتربوية الملائمة لهم، وليس التركيز على ما لديهم من صعوبات تستبعد الاهتمام بمعرفة قدراتهم المعرفية غير العادية وتجاهلها، و«فالج لا تعالج» و«ابنك غبي» و«عليك نقله» و«لم نعد قادرين على تحمّله» وغيره من هذا الكلام غير الأخلاقي وغير التربوي.

وبانفعال أكثر وضوحاً، واصلت عوشة: إن الخطأ الكبير الذي نرتكبه جميعنا، أننا نأخذ التحصيل الأكاديمي كمعيار وحيد ونهائي في الحكم على مدى تفوّق الطلبة وتميّزهم، ونتجاهل جوانب مهمة أخرى كالنشاطات العقلية وإغفال استثارتها، ما أدى إلى وجود نسبة كبيرة من الطلبة الموهوبين ذوي صعوبات التعلم في مدارسنا، دون الالتفات إليهم وتقديم أي رعاية واهتمام يراعي حالتهم الاستثنائية.

بدا التأثر على وجه أم فوزي، التي كانت مقتنعة تماماً بكلام عوشة وبأن فوزي ذكي وموهوب. وفي طريق العودة إلى البيت ساد صمت في السيارة، كسره السائق بفتح الراديو، وعندها أمسك فوزي بموبايله وأرسل رسالة إلى أمه الحزينة قال فيها: سامحيني يا أمي، فأنا أحبك وأعدك بأنني سأدرس جيداً، لقد كنت يا أمي مثل والدة لي طوال عمري، وأنا على قناعة بأنك حتى لو لم تتزوجي أبي ولم تلديني، ورأيتني في أي مكان ستعرفينني! هذا هو قلب الأم، لقد صبرتِ عليّ كثيراً، والصبر يا أمي من صفات الجمل، والجمل حيوان صبور جداً جداً ويستطيع تحمّل العطش!

Email