ريفلين وحلم اليوتوبيا الإسرائيلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العاشر من يونيو الجاري، انتخب البرلمان الإسرائيلي «الكنيست»، المرشح اليميني «رؤوفين ريفلين» ليكون الرئيس العاشر للدولة العبرية، خلفاً لشمعون بيريز. وقد حصل ريفلين، الذي حظي بدعم حزب الليكود اليميني، على 63 صوتاً مقابل 53 صوتاً حصل عليها منافسه النائب الوسطي مئير شطريت.

ما هو المستقبل الذي ينتظر إسرائيل وعملية السلام مع الفلسطينيين في ظل الرئيس الإسرائيلي الجديد؟ الجواب يقرأ من عنوانه كما يقال، ذلك أنه عندما تشير وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن ريفلين: «لن يكون رئيساً لدولة إسرائيل، بل رئيساً لإسرائيل الكبرى»، وأنه «سيستغل الرئاسة لدفع الاستيطان في الضفة الغربية»، فإنه لا خير يرتجى من عهده مستقبلاً.

في تصريحاته لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، يقول ريفلين: «لدي رؤية وحلم في دولة إسرائيلية فاضلة (يوتوبية) يأتي إليها فجأة كل الشعب اليهودي من أنحاء العالم للعيش هنا.. حتى إذا كانوا نحو عشرة ملايين يهودي، فإننا لن نحتاج للتخلي عن شيء»...

هل تعني تصريحات ريفلين هذه غير طرد المزيد من الفلسطينيين من أراضيهم والاستيلاء على المزيد منها بالقوة لإقامة مستوطنات عليها، والقضاء على حلم شرعي مقابل أي عودة للاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948 وحتى الساعة؟ ليس غريباً أن تتملك مثل هذه الرؤية رئيساً عمل كضابط استخبارات في الجيش الإسرائيلي، قبل أن يدرس القانون في الجامعة العبرية..

ولا يعلم الكثيرون أنه شارك في الفرقة العسكرية التي سيطرت على حائط البراق في المسجد الأقصى، الذي يسميه اليهود «حائط المبكى»، في حرب يونيو 1967.

ويأتي ريفلين إلى سدة الحكم في إسرائيل في الوقت الذي تكاد عملية السلام ومفاوضاتها الماراثونية تصل إلى لحظة انسداد تاريخي، بسبب تعنت حكومة نتانياهو وتسويفها لكسب الوقت، وتذرعها بالحجج الواهية، مثل المصالحة مع حماس أو لجوء الرئيس عباس إلى ما تسميه تل أبيب خطوات أحادية الجانب، كسعيه للحصول على عضوية مراقب لدولة فلسطين في الأمم المتحدة.

حال التأمل ملياً في اتجاهات ريفلين السياسية ووضعها بجانب موقف حكومة نتانياهو، يخلص المرء إلى القول بأن عملية السلام ربما تكون قد قضت فعلاً وقولاً.. لماذا؟ لأن «ريفلين» لا يؤمن بحل الدولتين، ويعرب على الدوام عن معارضته لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، متعللاً بتفضيله لدولة ثنائية القومية، مع ضمان حقوق المواطنة كاملة للفلسطينيين، وهو حديث تنافيه وتجافيه العنصرية الإسرائيلية في أرجاء إسرائيل، والتي كاد معها وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن يوجه اتهاماً لإسرائيل بأنها دولة «أبارتيد» بالفعل.

الخلفية العائلية للرئيس الإسرائيلي الجديد، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا أمام رجل ينتمي قلباً وقالباً للتيار الديني اليميني اليهودي، الذي يؤمن بفكرة الإرث الإلهي وكون الأراضي الفلسطينية هي أرض الميعاد للشعب العبراني. فريفلين ينتمي إلى عائلة يهودية لامعة، فأحد أجداده هو الحاخام «هيليل ريفلين»، الذي كان طالباً لعالم التلمود والحاخام الشهير في القرن الثامن عشر «فيلنا غاوون»، وقد أوفد إلى إسرائيل مع طلاب آخرين بناء على تعليمات الحاخام، لإنشاء مجتمع يهودي.

يتسلم ريفلين الرئاسة الإسرائيلية، وإسرائيل لا تبعد سوى رمية حجر عن الانفجار الديني المتزمت، الذي تجلى نهاية مايو الماضي في شكل وضع وزير الإسكان الإسرائيلي «أوري أوريئيل» حجر الأساس لكنيس «جوهرة إسرائيل» في قلب القدس القديمة المحتلة، وعلى بعد 200 متر من المسجد الأقصى. في ذلك النهار تحدث أوريئيل بالقول: «إننا في هذا اليوم وضعنا لبنة أخرى من لبنات الهيكل، وهي خطوة رمزية نحو تحقيق الهدف الأكبر، فالهيكل هو قلب الأمة».

هل تحدث الخطوة الأكثر فداحة وخطورة في عهد ريفلين والكفيلة بإشعال نيران الحرب المقدسة حول العالم لا سيما الإسلامي منه؟ حتماً نحن نتحدث عن المخططات الإسرائيلية لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث في نفس الموضع والموقع، وهذا ما ألمح إليه «أوريئيل» بالقول: «نقف اليوم قبالة جبل الهيكل، في وقت لم نصل فيه إلى السيطرة والسيادة الحقيقية عليه، ولذلك فنحن نسعى ونعمل من أجل تحقيق السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى».

تدخل إسرائيل برئيسها الجديد عهداً تلتقي فيه أضلاع مثلث التعنت والرفض لأحلام السلام وتعميق الفكر الرؤيوي التوراتي الديني. المثلث أبعاده «ريفلين نتانياهو - يعلون»، فالأول لديه حلم يوتوبي بعودة كل يهود العالم، والثاني في الذكرى الـ47 لما يعرف بيوم توحيد القدس...

كان يؤكد على أن «زهرة المدائن عربياً» هي أم جميع المدن في إسرائيل، وأنها وحدت ولن تقسم مرة أخرى، أي قطع الطريق على الحلم الفلسطيني في القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة. فيما وزير الدفاع موشي يعلون وأمام مؤتمر هرتزليا السياسي الأخير، يهاجم محمود عباس لرفضه الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية..

ويشدد على أن صيغة التنازل عن الأراضي مقابل السلام، كانت خاطئة من ناحية إسرائيل، فبدل السلام جلبت الإرهاب والصواريخ. مع ريفلين هل الأسوأ لم يأتِ بعد؟ يخشى المرء أن يكون ذلك كذلك، وهو الحصاد الطبيعي المتوقع للحلم اليوتوبي المنحول، الذي يتملك عقل رئيس إسرائيل الجديد.

 

Email