كيري يُبشّر اللبنانيين بتمديد الفراغ

ت + ت - الحجم الطبيعي

رحبت أوساط لبنانية بالزيارة الخاطفة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، لكن توقيت الزيارة أثار تساؤلات كثيرة. فالوزير كيري أدمن على زيارة المنطقة مرات عدة خلال السنوات الماضية، من دون أن يزور لبنان ولو لساعات قليلة، إبان حكم الرئيس ميشال سليمان.

وكيري هو أول مسؤول أميركي كبير يزور لبنان منذ خمس سنوات، ولمدة أربع ساعات فقط، من دون أن يلتقي بأي زعيم سياسي من خارج السلطة. فاقتصرت لقاءاته على بعض أركان الدولة، وتحديداً رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة. وقابل البطريك الماروني، وأجرى حواراً مستفيضاً مع مندوبي بعض الصحف اللبنانية.

وعلى الفور برزت تساؤلات عدة عن الأسباب وراء تمنع كيري عن زيارة لبنان قبل 25 مايو الماضي، للتباحث مع الرئيس ميشال سليمان حول أفضل السبل الديمقراطية لاختيار خليفة له في الموعد الدستوري المحدد، والمجيء في ظل حكومة تولت مهام رئاسة الجمهورية، من دون أن يتفق وزراؤها على كيفية تسيير شؤون الحكم.

وأطلق عبر وسائل الإعلام مجموعة رسائل أميركية في اتجاهات عدة، من دون أن يقدم أي دعم جدي لحل مشكلة النازحين السوريين في لبنان، أو ضمانات لردع إسرائيل عن استنزاف الغاز والنفط المستخرج من مناطق ضمن الحدود اللبنانية المعترف بها دوليا. وحاول كيري في جولته السريعة، الإيحاء بعودة الروح إلى الإدارة الأميركية، وإبداء حرص خادع على استعجال انتخاب رئيس جديد للبنان، دون أن يحمل أية اقتراحات لمنع تمديد الفراغ الرئاسي. ووجه رسائل سياسية ودبلوماسية، تضمنت مواقف أميركية واضحة في مجالات عدة.

أولاً: أعلن من بيروت أنه جاء بطلب من الرئيس أوباما وبتشجيع منه، أي أن الإدارة الأميركية اختارت مرحلة الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية السورية، للتحذير من أن الفراغ الرئاسي اللبناني في ظروف الأزمة السورية المفتوحة، قد يؤدي إلى تأزيم الأوضاع في لبنان والدول المجاورة. وقرأ خطابا مكتوبا تخوفت منه المراجع اللبنانية، حيث نصح القوات المسلحة اللبنانية بعدم الرد على أي استفزاز عسكري على حدوده، لأنه سيؤثر سلبا على نسيج لبنان الاجتماعي. ثانياً: كانت لموقفه المطمئن لإسرائيل من أمام السرايا الحكومية في لبنان، دلالات عدة أبرزت الخشية الأميركية من تدهور أمني مفاجئ قد يفتح الجبهة اللبنانية الهادئة نسبيا منذ 2006، ونصح إسرائيل بعدم القيام بأي خطوة عسكرية في التوقيت الخطأ.

ثالثاً: عبّر عن قلق الأميركيين على مستقبل لبنان، إذا استمر الفراغ الرئاسي ليتحول إلى أزمة تطال مصير لبنان والمنطقة بأكملها. وبعد أن شدد على ضرورة انتخاب رئيس قوي في أسرع وقت، لفت إلى أن الولايات المتحدة لا تتدخل في هذا المجال، وليس لديها مرشح معين، ولا تضع فيتو على أي رئيس يختاره اللبنانيون. لكن تلك المواعظ الأخلاقية لا تحجب غياب القرار الأميركي بتمديد الفراغ الرئاسي في لبنان.

رابعاً: بعد أن وصف الانتخابات الرئاسية السورية بأنها غير شرعية وتساوي صفراً كبيراً، دعا كلا من روسيا وإيران وحزب الله للعمل معا على وضع حد للحرب في سوريا. لكنه لم يشر إلى القرار الأميركي بمد قوى المعارضة السورية بأسلحة حديثة وفتاكة، لإطالة أمد الحرب في سوريا وتدمير بناها التحتية ونسيجها الاجتماعي وتهديد وحدتها، وذلك ينعكس حتما بصورة كارثية على لبنان.

لقد أوضح كيري في جولته الخاطفة على القيادات اللبنانية وفي مقابلته الصحافية المطولة، غياب موقف أميركي واضح حول انتخاب رئيس جديد للبنان، وآثر التمني بأن يكون الرئيس المنتخب قويا ومدعوما من شريحة كبيرة من اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا، وبضرورة تكامل المؤسسات الدستورية، لكي يتمكن لبنان من استخراج وتسويق النفط والغاز من مياهه الإقليمية لدعم اقتصاده المتردي. وهنا بالذات، برز موقف أميركي عبر عن استعداد واشنطن لرعاية مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل لحل القضايا المتنازع عليها في ملف النفط والغاز.

وسرعان ما أوضحت أوساط رئيسي مجلسي النواب والوزراء اللبنانيين، أن كيري تناول في مؤتمره الصحافي مجموعة أمور لم تبحث خلال لقائه بالرئيسين، وخاصة ما يتعلق بالعلاقات الأميركية - الإسرائيلية.

تخوف اللبنانيون من ثناء كيري على الحكومة بأنها ركيزة الاستقرار في لبنان، وتركه الفراغ الرئاسي مفتوحاً على مصراعيه. لكنه حمل مشروع رعاية أميركية لمفاوضات إسرائيلية لبنانية حول النفط والغاز، لن يكون مردودها أفضل من مردود المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي انتهت إلى نتائج كارثية على الجانب الفلسطيني.

فتركت الزيارة انطباعاً سلبياً بشأن الاستحقاق الرئاسي المؤجل، ودعم الأميركيين للحكومة اللبنانية بصلاحيات كاملة.

فهاجسهم هو الحفاظ على الأمن والاستقرار، والدخول في ترتيبات أمنية لبنانية إسرائيلية برعاية أميركية، وترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وقبرص، وحماية المنطقة النفطية والقوات الدولية في جنوب لبنان من العمليات الإرهابية.

فهل يمتد الفراغ الرئاسي لشهور طويلة، في غياب التفاهمات الداخلية والخارجية المساعدة على إعادة الدينامية للنظام السياسي الطائفي المأزوم في لبنان؟

Email