مصر جديدة.. عالم عربي جديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

مصر تصنع تاريخها فيتشكل عالم عربي جديد، فمصر هي المحور المحرك في العالم العربي. وتاريخيا كانت مصر المركز الذي تنطلق منه حركات التجديد السياسية والثقافية والاجتماعية، وكان منظر زعماء وقادة العالم وهم يتوافدون على قصر الاتحادية في قلب القاهرة، رسالة واضحة بأن العالم الذي كان يترقب ويتابع ما يجري في هذا البلد المهم، اقتنع بتدشين المرحلة الجديدة التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأن خيار المصريين كان للمستقل وليس للماضي.

مصر هي العمق الاستراتيجي للعرب، ومراحل الاستقرار السياسي في المنطقة هي التي كان فيها التنسيق المصري السعودي في أفضل حالاته. وغياب مصر أو انشغالها في مشاكلها الداخلية، أوجد حالات من عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، وأسفر عن غياب لدور عربي إقليمي قوي ومؤثر.

وكانت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لاجتماع للدول المانحة لمصر، رسالة واضحة لمدى الالتزام الخليجي تجاه مصر. وكانت الرسالة الملكية واضحة وحاسمة، عندما تقول إن أي مساس بأمن مصر هو مساس بأمن السعودية.

كما أن الاجتماع الأخير الذي عقده خادم الحرمين مع الفريق اول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة في الدار البيضاء، كان يتناول الملف المصري والالتزام الخليجي لدعم مصر.

ويشعر كثيرون بأن هناك أملا جديدا في الساحة السياسية العربية، من خلال التنسيق الذي يتعمق بين السعودية والإمارات ومصر. فغياب الدولة الرئيسة في العالم العربي، جعل لاعبين من خارج المنطقة العربية يؤثرون بشكل واضح في مصير الشعوب العربية.

مصر بحجمها السكاني ودورها التاريخي وبالتكامل مع الدول الخليجية، مؤهلة لخلق تكامل عربي واضح. فهذان الجناحان هما القادران على التحليق عاليا بقضايا الأمن الإقليمي العربي، الذي أصبح مخترقا ومرتبكا في الفترة الأخيرة.

وعلاقات دول الخليج بمصر تضرب جذورها عبر تاريخ طويل تفرضه الجغرافيا، فمصر والسعودية تتشاركان في الإطلالة على البحر الأحمر، وقناة السويس يمر من خلالها نحو ثلثي نفط الخليج.

وهناك علاقة نسب وتصاهر بين الشعوب الخليجية والشعب المصري، كما أن هناك نحو ثلاثة ملايين مصري يعملون في دول الخليج، ويمثلون رافداً اقتصادياً مهماً من خلال تحويلات العملة إلى مصر.

الرئيس السيسي يواجه تحديات صعبة، ولكنه يتمتع برصيد شعبي هائل، إذ صوت له أكثر من 23 مليون مصري، كما أن المؤسسات المصرية والجيش تكن له ثقة واحتراما كبيرين، مما يساعده في اتخاذ قرارات صعبة.

وخارجيا، مثل الحضور الدولي لمراسم تسلم السلطة, والدعوة السعودية لعقد مؤتمر لدعم مصر، إشارات واضحة إلى أن هناك التزاما بدعم مصر الجديدة، سياسيا واقتصاديا. والالتزام تجاه مصر هو استراتيجي ولمصلحة الدول العربية جميعا، فمصر قوية متماسكة صمام أمان للعالم العربي.

وتمثل الأزمة الاقتصادية المشكلة الحقيقية التي تواجه مصر حاليا، وأمام الحكم الجديد ملفات ثقيلة وقرارات صعبة، خاصة في جوانب غير شعبية مثل تخفيض الدعم ورفع مستوى الإنتاجية، مما سيفرض واقعية سياسية.

وكان السيسي واضحا في تصريحاته، بأن لا يتوقع الشعب المصري أن تنحل مشاكله بين ليلة وضحاها. وقد كشف عن شخصية واقعية في رسائله للشعب المصري، وأوضح أن الوضع الاقتصادي المصري «صعب جدا»، بعد بلوغ عجز الموازنة أكثر من 21% من إجمالي الناتج المحلي.

مصر في ظل الزخم الحالي والحماس الملموس لدى الشعب, لديها فرصة لتستثمر ذلك في بناء الإنسان المصري، وفي تحديد معايير جديدة للشخصية المصرية، تعتمد على الإنتاجية والمهنية والالتزام. فحسب دراسة الاتحاد العربي للتنمية الإدارية، ينتج المصري 30 دقيقة في اليوم، بينما معدل العمل الفعلي في فرنسا وألمانيا أكثر من 7 ساعات يوميا. لا بد من تغيير جذري، ففي الأزمة كما تقول الترجمة الصينية لهذه الكلمة، خطر وفرصة، وهي الفرصة التي تتاح بعد الأزمة لإطلاق القدرات الإبداعية والابتكارية لتكون أقوى من ذي قبل.

وكانت الرسائل التي حددها الرئيس السيسي في خطابه بعد إدائه القسم، مهمة بأنه رئيس لكل المصريين (لا تفريق بين مواطن وآخر ولا إقصاء لأحد)، ودعوته للتصالح مع كل من لم يتورط في قتل الأبرياء. وهي فلسفة في إدارة الحكم إن طبقت ستقود لعودة اللحمة إلى الشعب المصري، الذي عانى من انقسام حاد ومخاض صعب.

الخليج بحجمه الاقتصادي والسياسي المؤثر، ومصر بعمقها السكاني ودورها التاريخي، يفرضان معطيات مناسبة لعلاقة تكاملية بينهما، وضماناً لتوازن القوى الإقليمية في المنطقة. لا بد من ترسيخه في مؤسسات مستقلة وتشريعات تبقي العلاقة فوق الاشخاص. والتجارب التي مرت بها الشعوب في الفترة السابقة رغم صعوبتها إلا أنها كانت مفيدة في معرفة الاصدقاء من غيرهم.

فكما قال خادم الحرمين «وليعِ كل منا أن من يتخاذل اليوم عن تلبية هذا الواجب وهو قادر مقتدر، فإنه لا مكان له غداً بيننا إذا ما ألمت به المحن وأحاطت به الأزمات».. مصر تكتب مستقبلها بيدها والعالم يترقب.

Email