عوشة في مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحلّقت الجارات حول عوشة التي كانت جالسة على الأريكة الموضوعة وسط الغرفة، مستفسرات عن الأمر المهم الذي أرادت التحدّث إليهن بشأنه.. عوشة: لقد قررت تشكيل وفد شعبي برئاستي وعضوية من ترونها مناسبة، للذهاب غداً إلى مصر لتقديم التهنئة. أم فوزي: طبعاً أنا.. فأنا أحمل شهادة محو الأميّة، وكذلك ابني فوزي يعرف أكثر من لغة، وخبير في حمل الحقائب.

وبالفعل بدأت تجهيزات السفر بسرعة.. وفي اليوم التالي وصلوا باكراً إلى مطار دبي وجلسوا في انتظار التوجه إلى الطائرة، وفي هذه الأثناء أخرج فوزي دفتراً وقلماً وبدأ يكتب ويمزق الأوراق التي كتب عليها، فسألته عوشة: ماذا تكتب؟ فوزي: أكتب الشعر. عوشة: أنت.. فوزي.. تكتب الشعر؟!

أم فوزي: أنتِ دائماً يا عوشة تستهزئين بفوزي وقدراته، فوزي عبقري صدقيني.. فوزي: أمي على حق يا خالة عوشة، وأنا أتعلم بسرعة ومن المستحيل أن أخطئ نفس الخطأ مرتين، أقل شيء خمس أو ست مرات. عوشة دون تعليق: أسمعني شعرك يا شاعر.. فوزي بعد أن يبدأ بإخراج أصوات غريبة من فمه يقول: يتجمّع الكلام في فمي حينَ أراكِ.. فيصير شهيقي حطباً وزفيري نارا...

عوشة تنظر إلى أم فوزي بقرف: ديناصورة مثلك لازم تنجب تنّيناً مثله.. ما هذا؟ أم فوزي: لمعلوماتك يا عوشة، الإنسان أصله ديناصور، لكنه انقرظ. عوشة: اسمها انقرظ؟! حسب كلامك فأنت إذن لم تلدي فوزي ولادة.. وقبل أن تكمل، يبدأ النداء على ركاب الطائرة المتجهة إلى القاهرة.

وعندما تبدأ الطائرة بالتحرك استعداداً للإقلاع، تتنهد أم فوزي وتقول: اشتقت إلى بيتي، يا ترى هل يكون أبو فوزي قد تزوج عليّ الآن؟ وبعد مضي بعض الوقت تسأل عوشة: ماذا تقول تلك المرأة للركاب؟ عوشة: تسألهم ماذا يأكلون؟ أم فوزي: وكيف سأتفاهم معها؟ إنها تسألهم بالإنجليزي..

فيقول فوزي لأمه: ستسألك هل تريدين «تشكن» أي دجاج أو «ميت» يعني لحم، فاطلبي ما شئت.. وصلت المضيفة عند أم فوزي: «وت دويو ونت؟» أم فوزي: «شكم ودجاج»، المضيفة: «وت؟»، أم فوزي: لحم.

وبعد أن يتناولوا طعامهم، يبدأ فوزي بتعليم عوشة اللهجة المصرية: ركزي معي يا خالة عوشة، إذا سمعتِ كلمة «دولفين»، فهذا ليس حيواناً مائياً، سؤال معناه: «أين هؤلاء»؟ و«إهدا» تعني «ما هذا؟» و«الفجر يشأشأ» معناها بزوغ الفجر.. و«جدعان» معناها أصلاء.. و«رجّالة» تعني الرجال. عوشة: أتعرف يا فوزي، في بعض الأحيان أجدك تعرف أموراً لا بأس بها وتعي ما تقول.. فوزي: أنت تستهزئين بي مرة أخرى يا خالتي.

عوشة: ما شاء الله عليك وذكي أيضاً.. يجب أن تُرشح لنيل جائزة نوفل. وبعد أن وصلت عوشة مع وفدها إلى مطار القاهرة، توجهوا مباشرة إلى ميدان التحرير حيث الاحتفالات، ورحّب بهم المصريون ترحيباً حاراً بعد أن عرفوا أنهم من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتمّ تقديم عوشة لتلقي كلمة، فصعدت على المسرح، وبعنفوان قالت: شعب مصر العظيم..

أنا عوشة، وجئت أنقل لكم تحيّات أشقائكم في دولة الإمارات العربية المتحدة وتهنئتهم وفخرهم الكبير بكم، لقد سطّرتم اليوم تاريخاً مجيداً يحكي مسيرة حضارة شامخة..

اليوم عاد قطار مصر العريقة إلى سكّته من جديد وبدأت مسيرة استعادة الأمجاد. أيها الشعب المصري الحبيب.. أم الدنيا الآن بحاجة إلى أبنائها أكثر من أي وقت مضى، وأنتم كما نعرفكم أبناء بارّون بأمهم، وتأكدوا أننا معكم نشدّ على أياديكم، فأنتم أشقاؤنا ومصر أيضاً أمّنا..

إن مسؤولية الحفاظ على ما حققتموه اليوم مسؤولية كبيرة، تحتاج منكم جميعاً الوقوف سداً منيعاً أمام كل من تسوّل له نفسه العبث بمستقبل أولادكم وبأمنكم وأمانكم، ولتعلموا أن ترسيخ الإنجاز يرتبط بمدى إخلاص أبنائه له وصونهم لاستمراريته، ووضع المصالح الوطنية أولاً وقبل كل اعتبار، بعيداً عن أي زجّ بها لمصلحة أي جهة كانت، ونحن نثق بكم وبحكمتكم ونعتز بأخوّتكم ووطنيتكم.

لقد كانت الشهور الماضية صعبة جداً عليكم ومملوءة بالتحدّيات، لكن هيهات هيهات أن تنال من مصر التاريخ.. وبما أن الرجال يظهرون في الشدائد، فلقد أثبتّم بأنكم «رجّالة» وقت استنفار الهمم. لقد دقت طبول معركة إعادة بناء الوطن وإصلاح ما تهدّم، والوحدة أمام التحدّيات الداخلية والخارجية..

ونحن بدورنا نطالبكم بإحياء روح الإخلاص في العمل لإنقاذ مصر الغالية، وعدم الالتفات إلى الوراء وإضاعة الوقت في ما لا طائل منه، فلا تستمعوا إلى من كانوا يتشدّقون بحب مصر، وكادوا يأخذونها إلى الهاوية «دولفين»؟ لقد عاد فجرك يا أم الدنيا «يشأشأ»، لقد حاولوا كسر شوكتكم «إهدا»! ولكن شوكة «الجدعان» عصيّة على الكسر..

وختمت خطابها قائلة: وفي الختام أنقل إليكم مرة أخرى تهنئة من القلب، من «عيال زايد» إلى كل مصري ومصرية، وأودّ أن أشكر جارتي أم الشاعر أم فوزي خريجة محو الأميّة على دعمها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أم فوزي: «شات أب يور ماوس عوشة».

Email