رحم الله امرأً عرف قدر نفسه

ت + ت - الحجم الطبيعي

نحمل في أعماقنا أحلاماً كثيرة وأمنيات نتمنى تحقيقها، ولكثير منا طموح يبلغ عنان السماء. طموحات كثيرة تراودنا بين الفينة والأخرى، وأجملها تلك التي تتحول إلى وقود يدفعنا نحو تحقيق ما نتمنى. لكننا نصطدم بالواقع ونجد بعضاً من تلك الآمال يتحطم أمام أعيننا لنصاب بخيبة الأمل، ومنا من يكافح ويستمر، ومنا من يتوقف مرتدياً رداء الفشل. من أسوأ ما نرتكبه في حق أنفسنا ألا نعطيها قدرها، وأن نستسلم لمشاعر القلق والإخفاق، ونقف مكتوفي الأيدي أمام العقبات التي تعترض طريقنا.

غالباً ما ترتبط جملة «رحم الله امرأً عرف قدر نفسه» بعدم قدرة الأفراد على إتمام مهمة ما، وهي نظرة الكأس نصف الفارغة. أما إذا أردنا أن نمحورها بإيجابية، فعلينا أن نستخدمها بنظرة أكثر إشراقاً، لنجد أننا نستطيع تحقيق كل ما نتمنى، عندما نؤمن بقدراتنا ونقدر ذواتنا، ولا نجعل كلمة مستحيل تعشش في قواميسنا.

يذكر التاريخ قصة ذلك الصبي الذي جُلب إلى مصر ليُباع في سوق النخاسة وبصحبته عبد آخر، ودار بينهما حوار عن أحلامهما للغد. كان رد الأول أنه يتمنى أن يباع إلى طباخ ليأكل كل ما تشتهي نفسه، وأما الثاني فكان رده: أتمنى أن أملك هذه البلاد. حقق ذلك الصبي رؤيته وأصبح، رغم صعوبة الظروف، حاكماً للدولة الإخشيدية التي حكمت مصر العظيمة. إنه كافور الإخشيدي الملقب بأبي المسك، الحاكم العادل الذي استطاع أن يحقق ما ظنه الكثيرون مستحيلاً.

كتب التاريخ عن كافور أنه شمر عن ساعديه وصنع مستقبله الذي طالما حلم به، أما صاحبه الذي أراد أن يعيش في كنف الطباخ، فلم يذكره التاريخ إلا بذلك الموقف.

كم منا يمر بمواقف تشعره بعجزه أو يتلقى كلمات قد تثبطه، سواء في العمل أو في المنزل. للأسف الواقع علمنا بمرارة، أننا سنجد أشخاصاً مهمتهم هي تثبيط من حولهم. لو اقتنعت غالبيتنا بتلك الكلمات السلبية وتأثرت بها لما وجدنا شخصاً قادراً على أداء أي عمل أو إنجاز أية مهمة. ما يفرق الناجحين عن الفاشلين في الحياة، هو قدرتهم على النهوض بأنفسهم. وهو نظرتهم الإيجابية للأمور، وإدراكهم التام أن طريقة تعاملهم مع المصاعب هي ما سيحدد مستقبلهم. الناجحون يدركون أن الفشل هو اختبار لمعدن الشخص وصلابته، وهو مجرد جزء من منظومة النجاح الأكبر، وهي دروس حياتية ليتعلموا منها.

مخطئ من يظن أن النجاح طريقه سهل.. نعم، هناك من ينجح بفعل ضربة حظ، ولكن غالبية رواد النجاح سلكوا الطريق الصعب. قاموا بوضع أهداف واقعية وطموحة لأنفسهم، وخططوا لتحقيق مرادهم، وبذلوا طاقات جبارة واستمروا في الإيمان بأنفسهم وبقدرتهم على بلوغ غاياتهم.

والخطوة الأساسية تتجلى في وقفة صريحة مع الذات لمعرفة إيجابياتها وسلبياتها، ليتم التغلب على نقاط الضعف وتحسين مواضع القوة.. فمحاسبة النفس ومصارحتها من أهم عوامل النجاح. مواجهة الذات تتطلب شجاعة، والكثيرون يتهربون من هذه المواجهة. المواجهة الصادقة للذات ستجعل الكثيرين يراجعون أنفسهم ليدركوا إمكاناتهم، والشيء ذاته ينطبق على الذين يؤدون وظائف ومهام وهي أكبر من قدراتهم.

فعندما يصبح الشخص عبئا على المؤسسة، فلا ضير إذا اعترف بعدم مقدرته أو عدم كفاءته لأداء الوظيفة، ولكن المعيب أن يستمر في عرقلة العمل بسبب كبرياء لا يسمن ولا يغني. وهذا لا يعني أن يصاب بالإحباط، بل أن يتقبل الواقع ويعمل على تحسين نفسه وتطويرها.

من الناس من يعيش يومه من دون هدف واضح ولا طموح يود تحقيقه، فأصبحوا مجرد إضافة بالية على هذه الحياة.. فلا تكن منهم. بقدر طموحك ورغبتك في تحقيق ما تتمنى، يهبك لله سبحانه القدرة على تخطي العقبات والتغلب على المشكلات.

Email