إيران والفرصة السانحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

دائما ما يظهر اسم إيران كقاسم مشترك في المشاكل الإقليمية في المنطقة، وهناك اتهامات بتوسع النفوذ الإيراني في العراق، ومشاركة إيرانية ميدانية لدعم النظام السوري، وتواجد في لبنان بواسطة حزب الله، كما أن هناك حديثا عن دور إيراني في حوادث البحرين، وفي الدعم العسكري لجماعة الحوثيين في اليمن، ما يجعل كثيرين ينظرون إلى إيران بعين القلق والتوجس.

وأصبح من أدبيات المقالة السياسية عند بعض الكتاب في المنطقة، تصنيف إيران كعدو. وبالتأكيد أن أدوارا مثل هذه تثير الاحتقان السياسي في المنطقة، وتجعلها منطقة مأزومة، إلا أن التصنيفات الحادة لا تخدم مستقبل المنطقة.

فالخلاف السياسي موجود بين دول كثيرة، ومن منطلق أن السياسة هي فن الممكن فإن الخلافات السياسية يفترض أن تظل محصورة في الجانب السياسي واستخدام الوسائل المؤثرة، مثل العامل الاقتصادي أو المقاطعة إذا تطلب الأمر.

الخطورة حينما يستخدم الجانب الطائفي في الخلاف السياسي، فاستخدام الدين في الخلاف السياسي يعمقه ويلامس عاطفة الناس، فتصبح القضية حساسة والتراجع فيها صعبا، وهذه أخطاء يرتكبها كتاب ورجال دين من الطرفين.

وهناك معطيات لا يمكن تجاوزها، فإيران ودول المنطقة جميعها دول إسلامية، تتقاسم سويا تاريخا وحضارة وخليجا واحدا، ولا يمكن تجاوز هذه المعطيات واختزالها في صورة واحدة تقوم على التنافس والتنافر.

وقد تأرجحت العلاقات الخليجية الإيرانية منذ ثورة عام 1979 وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، بين محطات متباينة من الصعود والهبوط، وأحيانا التصادم. لكن إيران رفسنجاني وخاتمي لم تكن إيران أحمدي نجاد.

فوجود نجاد المتشدد على رأس الحكومة الإيرانية، ساهم في تدهور العلاقات وعزز حالة الاستقطاب السياسي في المنطقة. إيران لديها أجندتها الخاصة، ومن حقها أن تكون مثل أي دولة لها أجندتها وأهدافها، ولكن متى تجاوز الأمر إلى تهديد الأمن في دول أخرى، فهذا تعدٍّ أمني وسيادي وتجاوز للخطوط الحمراء. ومواجهة إيران تبدأ من ترتيب البيت الداخلي، وتعزيز مفهوم المواطنة شرط أساسي لمواجهة التحديات الخارجية.

وأخطر جزئية في أي صراع سياسي خارجي، هي الداخل.

إيران لديها فرصة، في ظل توجهات الرئيس الحالي حسن روحاني، لأن تصبح جزءا من الحل وعنصرا يعزز السلام والاستقرار في المنطقة. لم يستفد الإيرانيون من هدر ثروات بلادهم في حروب عسكرية وسياسية خارجية، عادت عليهم بضائقة اقتصادية صعبة وحصار عانوا منه كثيرا.

ويحق للشعب الإيراني أن يتساءل ماذا استفاد من هذه السياسة. صحيح أن الإيديولوجية المتشددة في إيران تضرب بجذورها في مفاصل الحكم، ولكن التقارير التي تأتي من طهران تكشف حجم الفاتورة العالية التي يدفعها الإيرانيون، والتي يمكن أن تجبر صانعي القرار على التوجه البراغماتي، ومواجهة المستجدات بنظرة واقعية.

أليس هو نفسه الإمام الخميني الذي اقتنع بواقع المتغيرات على الأرض، وأوقف الحرب مع العراق بعد معاندة قوية وطويلة، وقال جملته الشهيرة «إن تجرع السم أهون على من إعلان وقف إطلاق النار».. إنها البراغماتية الإيرانية.

السياسية تفهم لغة القوة، وليس بالضرورة العسكرية، فالقوة السياسية والاقتصادية تفرض واقعا وتعطي ميزة في المفاوضات والمناورات السياسية. كما أن التكتل السياسي للدول في استراتيجية واحدة، كمنظومة مجلس التعاون الخليجي، يعطي قوة من خلال الموقف الموحد.

لكن الإشكالية حينما يفتقر التكتل إلى سياسة واحدة وتصبح الثغرات موجودة، ويصبح الموقف السياسي لدوله أقل قوة. فنجاح حلف الناتو هو في تكتل دوله وموقفها الموحد، رغم أنها كدول منفردة ذات قوة اقتصادية وعسكرية كبيرة، لكن النضوج السياسي يجعل هذه الدول تتحرك ضمن سياسية موحدة.

إيران دولة مهمة، والجغرافيا والتاريخ يفرضان معطيات لا يمكن تجاوزها. ومستقبل المنطقة في التعايش الحضاري والعقلاني بين دولها، والحذر من خلط السياسية بالدين في النزاعات السياسية.

إن محاولة تصوير دولة لأخرى على أنها عدو، أمر سهل تناوله إعلاميا ولكن ضريبته عالية، فالعالم يتجمع والمصالح تقرب بين الشعوب. ومن كان يتخيل أن روسيا والصين بتاريخهما المتنافر واختلافهما الإيديولوجي المزمن في قيادة العالم الشيوعي، يجمع بينهما قبل أيام أكبر عقد تجاري بين بلدين بقيمة 400 مليار دولار.

مسؤولية الساسة ورجال الدين والإعلام محاربة التأجيج الطائفي وتجريمه، والمنطقة لا تتحمل المزيد من الحروب والمشاحنات.

المستقبل في تغليب لغة المصالح التي تجمع الدول، وتحقق التنمية وتبني الإنسان.

Email