بين البذخِ وحب المظاهر.. أبناءٌ يُظلمون!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبحت المقالات والتحليلات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، جافة كئيبة بائسة بلا روح وثقيلة على النفس، ولا سيّما أننا نعيش في خضم سيل جارف من المتناقضات والمشكلات التي لا تنتهي..

لذا قررت أن أخرج من عباءة الكتابة التقليدية الجافة، إلى عالم الكتابة الفكاهية غير المبتذلة والخفيفة على النفس، ذلك أن الإنسان يحتاج دائماً إلى أساليب أو طرق جديدة ليواجه الواقع الذي يعيش فيه ويتأقلم معه، ومن أشهر هذه الأساليب والطرق الفكاهة.

وهدفي من ذلك ليس التسلية، وإنما محاولة التعبير عن قضايا المجتمع وهمومه، على شكل ابتسامات ومفارقات، والتحفيز على التفكير وعلاج بعض السلبيات التي تواجهنا، بطريقة جديدة.

فالفكاهة ليست حالة ترف فارغة، كما يظن البعض، بل هي كما يُقال علمياً، وسيلة ناضجة لمواجهة الواقع ومحاولة فهمه من خلال الضحك، الذي يعدّ مهماً كذلك لصحة الإنسان، فهو خير دواء يساعد على علاج بعض الأمراض أو التخفيف منها.

إن ندرة الكتابات الفكاهية، على الرغم من كثرة القرّاء الذين يحبّذونها، وغياب العنصر النسائي بشكل كامل في صحافتنا المحلية وأدبنا بشكل عام عن هذا النوع من الكتابات، وفكرة أن أكون أول كاتبة إماراتية تكتب المقال الفكاهي.

دفعني كل ذلك إلى اقتحام هذا النوع من الكتابة، بحذر ودون تكثيف للفكاهة، كونه المقال الأول، مع العلم بأن كتابة المقال الفكاهي أصعب بكثير من المقال التقليدي، لأنه غير مقيّد بقواعد معيّنة، كما هو معروف، ولا يخضع لمعايير محدّدة كما في كتابة المقال التقليدي.

وبما أن روح الفكاهة سائدة دائماً في أحاديث النساء ولها نكهة خاصة، رغم أن أحاديثهن تدور في الغالب حول مصائب حدثت أو مصائب ستحدث، وبما أنهنّ يملكن قدرة مذهلة على الانتقال من موضوع إلى آخر، بكل سلاسة ويسر ودون أي مقدّمات.

فإنني سأتناول في كل مقال موضوعاً حول فكرة أو مشكلة أو قضية معيّنة، أسلّط الضوء عليها عن طريق حوار فكاهي مختلف تماماً عن المتوقع، بين عوشة (التي ستكون الشخصية الرئيسية في المقالات جميعها) وجاراتها.

عوشة هذه تجتمع دائماً مع جاراتها على فنجان القهوة الصباحي، لتبادل أحاديث الصباح التي تبدؤها إحدى الجارات بسؤال: يا تُرى ماذا سيكتب التاريخ اليوم عنا؟ فتجيبها عوشة: كانوا يحبون "الحش" الجماعي يرحمهم الله.. وبضحكات تملأ المكان، تبدأ الأحاديث التي لا تترك صغيرة أو كبيرة إلا أحصتها.

وبشكواها المعهودة من ابن جارتها فوزي تقول عوشة: لفت نظري خبر في التلفزيون عن "هكرة" هولندية تخترق نظام فندق وتتحكّم في أنواره عن طريق الموبايل، وجارتي أم فوزي اشترت الموبايل لفوزي بمبلغ وقدره.. ومن يومها وأنا أراه يلعب ببرنامج القط ويبقى يعيد عليه: اسكت يا ثور، وهو يردّ: اسكت يا ثور.. والمصيبة أنه يعيد السؤال بكل ثقة بعد أن يضع رجلاً فوق رجل كأنه مبعوث القرن الإفريقي!

وبعد قهقهة لطيفة تبدأ الجارات بالحديث عن آخر الأخبار، الذي كان يتحدّث عن أغلى مهر في العالم.. ويقول الخبر إن مليارديراً يقدّم خمسين مليون دولار مهراً وينفق الملايين على الزواج، والغريب في الأمر أنه طلّق زوجته بعد شهر من الزواج، ولماذا؟ لأنه اكتشف أنها تشخر وهي نائمة.

عوشة: لو أن رجالنا مثل هذا الملياردير لطُلقت كل نساء العرب، أصلاً أنا أشخر وأنا مستيقظة! لقد كان مهري خمسمئة درهم وأشخر دائماً ولم أتطلّق بعد! وبحسرة تتلقف إحدى الجالسات الكلام وتعلّق: قبل أن أبدأ بالبحث لأولادي عن زوجات، كنت أفكر في أن أغالي في مهور بناتي، ظناً مني أن هذا الشيء يعطي قدراً لهن، ولكي يبقى أزواجهن في دوامة سداد قروض الزواج ولا تبقى لديهم قدرة حتى على التفكير في الزواج عليهن.

لكنني بعد أن بدأت أعاني بنفسي هذا الأمر، لن أطلب شيئاً سوى الدّين والخلق، لن أجعل أولادي وبناتي يبنون حياتهم على أساس اقتصادي سيئ عن طريق القروض والدّيون، ما يؤدي إلى خلل في حياتهم الزوجية، وبالتالي إلى خلخلة في النظام الاجتماعي بشكل عام، أنا أعترف بأنني كنت على خطأ كبير.

عوشة: دعونا ننسى أخطاء الماضي ونرتكب أخطاء جديدة، أما بالنسبة إلى فوزي فلا أظن أن هناك فتاة تقبل أن تتزوج ثوراً، حتى لو دفعوا عشرين مليون درهم مهراً..

 

Email