مقولة مضللة

ت + ت - الحجم الطبيعي

غالباً ما يسود الاعتقاد بأن الناس يدفع لهم قدر ما يستحقون. ووفقاً لهذا المنطق، فإن العمال الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور، لا يستحقون أكثر من 7.25 دولارات في الساعة، وهو ما يحصلون عليه حالياً. ولو كانوا يستحقون أكثر من ذلك، لكسبوا المزيد.

وأي محاولة لإجبار أرباب العمل على دفع المزيد لهم، سوف تؤدي إلى اضمحلال الوظائف. ووفقاً لهذا المنطق، فإن المديرين التنفيذيين للشركات الكبرى يستحقون تعويضاتهم الهائلة، والتي تشكل في المتوسط حوالي 300 ضعف أجر العامل الأميركي العادي.

وبالتالي، أي محاولة للحد من أجورهم لا جدوى منها، لأن رواتبهم ستأخذ شكلاً آخر لا غير. إن مقولة «يدفع لك قدر ما تستحق» هي مقولة خطيرة.

منذ خمسين سنة، عندما كانت شركة «جنرال موتورز» أكبر صاحب عمل في أميركا، كان عامل نموذجي في الشركة يتقاضى 35 دولاراً بحسب دولارات اليوم، أما الآن فإنه يتقاضى لدى أكبر رب عمل في أميركا، شركة «وول مارت»، 8.8 دولارات في الساعة.

هل هذا يعني أن موظفاً نموذجياً في «جنرال موتورز» منذ نصف قرن، كان يستحق أربع مرات ما يستحقه موظف نموذجي في «وول مارت» اليوم؟ الجواب هو النفي.

والفرق الحقيقي هنا، هو أن العامل في «جنرال موتورز» منذ نصف قرن كانت تدعمه نقابة عمالية قوية، تستحضر القوة التفاوضية الجماعية لجميع عمال صناعة السيارات، من أجل الحصول على حصة كبيرة من إيرادات الشركة لأعضائها.

وعمال «وول مارت» اليوم ليست لديهم نقابة للتفاوض على صفقة أفضل، ومتروكون لوحدهم.

وما يحصل عليه كبار المديرين التنفيذيين اليوم من مبالغ مالية كبيرة، ليس لأنهم «يستحقونها»، بل لأنهم يعينون لجنة التعويضات في مجالس الإدارة الخاصة بشركاتهم والتي تقرر رواتب المسؤولين التنفيذيين، أو لأن مجالس الإدارة تلك لا ترغب في أن ينظر إليها المستثمرون على أنها وظفت مديرين تنفيذيين من «المستوى الثاني»، يدفع لهم أقل من المديرين التنفيذيين لدى المنافسين الرئيسيين.

والمكافآت في وول ستريت ازدادت 15% في عام 2013، ليصل مجموعها إلى مبلغ هائل هو 26.7 مليار دولار.

فهل يستحق المصرفيون في «وول ستريت» هذه المبالغ حقاً؟ لا، إذا احتسبنا الدعم الخفي المتدفق إلى مصارف «وول ستريت» الضخمة، التي اعتبرت منذ عملية الإنقاذ الحكومي في 2008 أكبر من أن يسمح لها بالفشل.

والذين يضعون مدخراتهم في استثمارات في هذه البنوك، يقبلون بمعدلات فوائد على الودائع أو القروض، أقل مما يطلبونه من المصارف الأميركية الصغيرة، لأن المصارف الأصغر حجماً تعتبر مواقع تنطوي على مخاطرة بالنسبة للأموال.

وعلى عكس المصارف الكبيرة، لا يتم إنقاذ المصارف الأصغر حجماً إذا وقعت في المتاعب. وبحسب الباحثين، فإن هذا الدعم الخفي لـ«وول ستريت» يصل إلى حوالي ثمانية أعشار النقطة المئوية.

وقد لا يبدو هذا الدعم كبيراً، لكن إذا ضرب في المبلغ الإجمالي للمال المودع في استثمارات لدى المصارف العشرة الأكبر في «وول ستريت»، نحصل على مبلغ ضخم يقارب 83 مليار دولار في السنة.

لقد حصلت مصارف «وول ستريت» على شيكات بمبالغ كبيرة، علاوة على 26.7 مليار دولار كمكافآت للسنة الماضية، ليس لأنها «تستحق» ذلك، بل لأن المصارف الكبيرة لديها مكانة مميزة في الاقتصاد السياسي الأميركي.

والعمال ذوو الأجور المتدنية في أميركا ليست لديهم مكانة متميزة، ولا يتمتعون بنفوذ سياسي. ومقولة «يدفع لك قدر ما تستحق» مقولة مضللة إلى حد كبير، لأنها تتجاهل القوة وتتغاضى عن المؤسسات، ولا تقيم بالاً للسياسات.

ولهذا، فإنها تستدرج المطمئنين إلى التفكير أنه لا ينبغي القيام بشيء على الإطلاق لتغيير ما يدفع من أجور للناس، لأنه لا يمكن القيام بأي شيء.. فلا تصدقوا ذلك.

 

Email