مخاطر الانفجار الشعبي في لبنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 5 مايو الجاري، قدمت اللجنة النيابية المكلفة بدراسة سلسلة الرتب والرواتب، تقريرها إلى أمانة سر المجلس النيابي اللبناني لعرضه على الهيئة العامة (اليوم 14 مايو).

لكن التقرير لم يحظ بدعم الهيئات الاقتصادية، ولا برضى هيئة التنسيق النقابية التي وصفته بالتقرير المسخ.

وتعرض على الفور لانتقادات حادة، لأنه أعد بسرعة ولم يعالج الأوضاع الاقتصادية بعمق، وقدم حلولاً سطحية أثارت استياء رجال المال والأعمال، وهيئة التنسيق النقابية التي أعلنت الإضراب المفتوح والشامل في القطاع العام والمدارس الرسمية، ما بين 8 و14 مايو. الأنظار جميعها باتت متجهة إلى جلستي مجلس النواب اليوم، المخصصتين لمناقشة جميع تفاصيل السلسلة واتخاذ القرارات النهائية بشأنها، وهو يوم تاريخي ينتظره جميع اللبنانيين بقلق بالغ، لأنه يمثل امتحاناً للمجلس النيابي حول كيفية تعاطيه مع مشكلة السلسلة، وتجنب مغامرات مالية تؤثر مباشرة على الوضعين الحكومي والاقتصادي.

ما قدمته اللجنة النيابية من مقترحات وحلول لم يكن مقنعاً، فعبر رئيس المجلس النيابي عن امتعاضه من التقرير بقوله: «لقد ألحق ظلماً وإجحافاً بالمواطنين، وليس بالمستفيدين فحسب من السلسلة، لأن زيادة 1% على ضريبة القيمة المضافة، ساوت بين الفقراء والأغنياء وطالت المواد الغذائية والاستهلاكية، ولم تركز على الكماليات».

وردت هيئة التنسيق النقابية برفض مشروع القانون، ودعت إلى إضراب شامل ومفتوح والامتناع عن إجراء الامتحانات الرسمية، في حال عدم الالتزام بالاتفاقات المعقودة والإصرار على تمرير المشروع، مما يطرح تساؤلات عدة حول طبيعة الصراع الدائر الآن على الساحة اللبنانية.

أولاً: إن قضية السلسلة تجاوزت موضوع الرواتب وفتحت ملف الحقوق، والسياسة الضريبية التي تقوم على سرقة اللبنانيين لتأمين الإيرادات من جيوبهم، والامتناع عن تسديد مستحقات المعلمين والموظفين الذين لم يقبضوا نصيبهم من غلاء المعيشة منذ ثمانية عشر عاماً.

ثانياً: التصدي لسياسة منع التوظيف الثابت، والاستعاضة عنه بالتعاقد وفق صيغ متنوعة ومجحفة في حق المتعاقدين والأجراء.

ثالثاً: بعد أن أعلنت هيئة التنسيق النقابية الإضراب المفتوح في القطاع العام اعتباراً من 18 مايو، قررت حشد جميع طاقاتها في يوم «الانفجار الشعبي الكبير» في الرابع عشر منه. وسيتوج بإضراب شامل للمدارس الخاصة، وتظاهرة مركزية في محيط البرلمان أثناء انعقاد الجلستين الصباحية والمسائية لإقرار السلسلة وكيفية تمويل ضرائبها. وسيشمل الإضراب جميع المدارس الحكومية والخاصة على امتداد الأراضي اللبنانية، والوزارات، والإدارات العامة، وموظفي الجامعة اللبنانية والبلديات.

رابعاً: عكس البرنامج التصعيدي لهيئة التنسيق النقابية، مدى النقمة العارمة في صفوف المعلمين والموظفين، بعد اطلاعهم على تقرير اللجنة النيابية التي تحظى بدعم حكومي. وأعلن رئيس الحكومة تمام سلام، أن الإضراب المفتوح «لا ينسجم مع توجهنا لإعادة ترميم الثقة الداخلية والخارجية في الدولة». لكن اللبنانيين اعتادوا تحصيل حقوقهم بالإضرابات وممارسة الضغوط على البرلمان، لكشف التضليل الإعلامي الذي تمارسه الكتل النيابية.

خامساً: أثبت تمرير القوانين المجحفة في حق الطبقات الشعبية، أن المجلس النيابي منحاز إلى جانب أصحاب المال ورجال الأعمال، وأن موقف النواب الحقيقي يهدف إلى تغييب الدولة والاكتفاء بصيغة الدولة الرخوة العاجزة عن معاقبة الفاسدين والمفسدين.

لقد وصفت هيئة التنسيق النقابية مشروع اللجنة النيابية، بأنه إهانة لكرامة الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، وتمسكت بمبدأ تصحيح الرواتب، وتمويل السلسلة من خلال استرجاع أملاك الدولة، ووقف مزاريب الهدر والفساد والتهرب الضريبي، وليس من جيوب الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. لذلك قررت الزحف لمحاصرة المجلس النيابي في يوم «الانفجار الكبير»، الذي سيدخل لبنان بعد اليوم (14 مايو 2014) في نفق التعطيل طويل الأمد، ما لم ينجح البرلمان في اتخاذ خطوات عملية عقلانية ومدروسة وعادلة.

مع قرار «الانفجار الكبير» طويل الأمد، دخلت هيئة التنسيق النقابية مرحلة التصعيد والمواجهة، ما لم تقر السلسلة وفق صيغة تحمي حقوق الموظفين والمعلمين. لكن نيل حقوق متراكمة منذ سنوات طويلة، صعب المنال في برلمان منحاز بالكامل إلى أصحاب المال ورجال الأعمال وزعماء الطوائف.

لذلك نصح بعض الاقتصاديين اللبنانيين هيئة التنسيق بقبول مكاسب معقولة ومعتدلة، لتجنيب الاقتصاد اللبناني مخاطر أكيدة في ظروف صعبة تشهدها مختلف قطاعاته. فمواجهة «حيتان المال» وتحقيق جميع المطالب المحقة دفعة واحدة، مسألة صعبة للغاية في الظروف الراهنة، وقد تلحق أضراراً فادحة بالطبقات الفقيرة والوسطى دون أن تطال الأغنياء.

ولا بد من التعاون بين ممثلي جميع القوى الوطنية والفاعلة في لبنان، لإنصاف أصحاب الحقوق من خلال إلزام الأغنياء والمصارف ورجال الأعمال بدفع ضرائبهم كاملة للدولة، وإعادة تنشيط القطاع العام وترشيده، ودفع القطاع الخاص للقيام بمسؤولياته الوطنية لدعم القوى المنتجة، والمساعدة على استقرار لبنان.

Email