رسائل السيسي ومهمته

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن المشير عبد الفتاح السيسي مهتماً برسم صورة سياسية فلسفية في حواره التليفزيوني الأول، بقدر ما كان حريصاً أشد الحرص على «بث» رسائل خاصة مباشرة إلى عموم المصريين، والعرب، والعالم.

كان يدرك أن دولًا وأشخاصاً كثيرين سوف يتابعون حواره متابعة دقيقة، و«يفصصون» كل عبارة، وكل كلمة، ليُكَوّنوا رؤية تستطلع ما يمكن أن يحدث داخل مصر أو في علاقاتها الخارجية، إذا ما نجح السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ك

انت الرسالة الأولى للمصريين، بسطائهم قبل مثقفيهم، فقرائهم قبل أغنيائهم، وبلغة سهلة واضحة يفهمها كل الناس، وتفيد بأنه مصري مسلم، «ابن بلد» بما تحمله الكلمة من دلالات شعبية إيجابية، وُلد في حي شعبي هو الجمالية، الذي ولد فيه الكاتب المصري الرائع نجيب محفوظ وسجل ملامحه وعادات أهله في ثلاثيته الشهيرة: بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، وأنه عاش طفولته وأول شبابه بين ثلاثة مساجد عظيمة لها تاريخ في وجدان المصريين وحياتهم، هي: الأزهر والحسين والسيدة زينب.. وكان تركيز السيسي في هذه الناحية ملحوظاً، إلى درجة استغرقت ما لا يقل عن نصف ساعة، وبالطبع كان له هدفان أساسيان..

الأول: أن يجتث أي كلام تحاول جماعة الإخوان أن تبيعه للناس بأي ثمن.

ثانياً: أنه لن يسمح بدولة دينية في مصر، لأن الإسلام لا يعرف هذا النوع من الدول، وعدم السماح للإخوان كتنظيم لا يعني محاربتهم في دينهم، وإنما في أفكارهم التي سبق للمصريين أن جربوا بعضاً منها ولم يتحملوها، وقاموا بعزلهم عن السلطة والحياة العامة المصرية عزلاً كبيراً.

وأكمل السيسي رسالته عن حياة الناس المعيشية، وتعهد لهم بأن تتحسن في غضون عامين، لكن بجهد كبير وعمل متواصل من كل المصريين، وحدد بعضاً من برنامجه الاقتصادي بثلاثة محاور رئيسية:

الأول: إعادة تنظيم الأقاليم المصرية بما يتيح لأهل الصعيد فرص تنمية أكبر.

الثاني: استصلاح 4 ملايين فدان تتوافر لها مياه جوفية، مع إعادة تطوير نظام الري في مصر.

الثالث: بناء 22 مدينة تعدينية وصناعية جديدة.

وكانت الرسالة الثانية للعرب، خاصة أهل الخليج، وقد حثهم على حماية بلادهم والحفاظ عليها من مخاطر جماعة الإخوان والتيارات المتحالفة معها.

وهي رسالة مهمة للغاية وفي وقتها، فمن يتابع كلمات الإخوان وأفكارهم، يروعه ما كانت ولا تزال تبطنه الجماعة لدول الخليج. وبالطبع لو كانت مصر قد سقطت تماماً بين أيدي الإخوان ونجحوا في تغيير مفاصلها ومراكز القرار فيها، لكان هذا الخطر رهيباً وزاحفاً على كل الجيران.

ولم ينس السيسي أن يخص السعودية والإمارات بشكر خاص، على موقف شجاع منهما داعم لمصر في حربها ضد الإرهاب.

واتجهت الرسالة الثالثة إلى العالم، وبالأخص الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، وبدت رؤيته واعية مدركة لطبيعة العصر وصراعاته. فعلاقات مصر مع الولايات المتحدة شديدة الأهمية، ليس بسبب المعونات فما تقدمه أميركا لمصر سهل الاستغناء عنه، إلا في ما يخص السلاح.

ولكن لأن الولايات لمتحدة أهم لاعب في العلاقات الدولية، والاستغناء عنه أو الدخول معه في عداء هو نوع من الحماقة والخطيئة السياسية. وبالطبع هو لا يعتبر العلاقات النامية بقوة بين مصر وروسيا في هذه الأيام، بديلاً عن العلاقات مع الولايات المتحدة، فزمن الحرب الباردة القديم قد ولى وصعب أن يعود.

وكان من المستحيل أن يمضي أول حوار تليفزيوني للسيسي بعد ترشحه للرئاسة، دون التطرق إلى الجارة اللدود إسرائيل، لأنها مسألة حرب وسلام، وكان واضحاً في أن مصر دولة تحترم تعاقداتها، وملتزمة باتفاقية السلام، وهي رسالة تتجاوز إسرائيل إلى كل الدول المهتمة بمنطقة الشرق الأوسط. ومعناها أن مصر تعمل على استقرار المنطقة، لا إشعال القلاقل فيها.

أما مسألته زيارة عبد الفتاح السيسي لإسرائيل فهي مرهونة بحل عادل يضمن دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

باختصار، حدد السيسي مهمته في تحسين أحوال المصريين، وتوثيق العلاقات مع الدول العربية، خاصة دول الخليج التي يعد أمنها جزءاً من أمن مصر، والعمل على استقرار المنطقة.

 

Email