المتابع للواقع السياسي في الوطن العربي بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة، يستطيع تقييم الأبعاد السياسية والاستراتيجية للمناورات العسكرية «سيف عبدالله»، التي أجرتها المملكة العربية السعودية خلال الأيام الفائتة.
فقد جاءت تلك التدريبات في ظرف استثنائي لفوران الأحداث في المنطقة العربية الملتهبة، وسعي بعض القوى العالمية بمساعدة بعض الأطراف في المنطقة، لنقل تجربة الربيع العربي بكل ويلاتها إلى منطقة الخليج، معتمدين على بعض التنظيمات الإرهابية مثل التنظيم الدولي للإخوان، وبعض المنابر الإعلامية المعروفة.
ومن ثم أقامت المملكة تلك المناورات التي تعد الأضخم في تاريخها، من حيث نوعها وشموليتها وأعداد المشاركين فيها من قوات وآليات وتجهيزات، حيث شارك فيها أكثر من 100 ألف رجل من ثلاث هيئات هي الدفاع والداخلية والحرس الوطني، في تمرين تعبوي ضخم.
شارك فيه عدد كبير من الطائرات والسفن والمروحيات والمعدات الأرضية بمختلف أنواعها، والمركبات القتالية والدبابات ومنظومات الصواريخ المضادة للطائرات، واستخدمت فيه أحدث الأجهزة والمعدات العسكرية وأكثرها تطوراً على مستوى جيوش العالم.
كما استعرضت السعودية ولأول مرة في تاريخها، صواريخ استراتيجية بعيدة المدى، وأجريت لأول مرة على ثلاثة مسارح عمليات في وقت واحد في المنطقة الجنوبية، والمنطقة الشرقية، والمنطقة الشمالية، لاختلاف تضاريس ودرجة حرارة وطبيعة الأرض في كل منطقة.
بهدف رفع قدرة الجندي السعودي على مواجهة التحديات المستقبلية، والتعامل مع أحدث الأجهزة المتقدمة من الناحية التقنية، لتحقيق المرونة وخفة الحركة والحشد النيراني.
وقد أرادت المملكة من خلال تلك المناورات الضخمة، أن ترسل عدة رسائل قوية.
أول تلك الرسائل، أن جيشها وقواتها العسكرية وقدراتها الفاعلة في التصدي، جاهزة لقطع يد كل من يهدد أمنها القومي.
ولتثبت كذلك أنها مع التزامها بنداءات السلام في العالم، إلا أن الواجب يحتم عليها أن تكون على استعداد تام ودائم لصد أي عدوان تتعرض له أراضيها المقدسة، وبذل الأرواح في سبيل الذود عن المقدسات، وردع كل من تسول له نفسه التعدي على أمن واستقرار الوطن.
وهي رسالة ذات دلالات عدة، وتحديداً للقوى الإقليمية الطامحة أو الحائزة لسلاح نووي، وبعض القوى الأخرى المناوئة للسياسة الخليجية.
وثاني تلك الرسائل، جاء من خلال مستوى الوفود والشخصيات الخليجية والعربية والعالمية التي حضرت فعاليات التدريب الختامي لتلك المناورات؛ حيث شاركت جميع دول الخليج - باستثناء قطر - بممثلين رسميين في حضور المناورة، إضافة إلى مصر وباكستان وأميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا.
ومثل دولة الإمارات وفد رفيع المستوى برئاسة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وجاء هذا الحضور بمثابة رسالة قوية إلى كل تلك الأطراف، بما فيها الجماعات والتنظيمات الإرهابية والداعمين لأنشطتها التخريبية في مصر والسعودية والإمارات والبحرين وفي اليمن، سواء بالدعم المالي أو بالتحريض الإعلامي.
وهكذا جاءت تلك المناورات وما بدا فيها من استعداد عسكري وتقني غير مسبوق، وما عكسته من مستوى التضامن الكبير بين الدول الخليجية والقوى العربية والإقليمية والعالمية، كرسالة للعالم أن الحق لا بد له من قوة تحميه، وتلك القوة موجودة ومستعدة دائماً للذود عن الأوطان والمقدسات.