الممارسات العنصرية هل باتت ظاهرة عالمية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان الخبر الأول هذا الأسبوع في قناة "سي إن إن"، عن كلمات وصفت بأنها عنصرية قالها دونالد ستيرلنغ مالك فريق "إن بي إيه" الأمريكي لصديقته في مكالمة هاتفية.

وبمجرد ما عرض نص المكالمة، أثارت عاصفة من الجدل ومطالبات بمحاكمته. القضية هنا ليست قضية دونالد, بل الاستشهاد بها لتوضيح حساسية القضايا العنصرية هناك، وأن المجتمع يقف ضد العنصرية بكل أشكالها، من حيث المبدأ.

وربما تجد من يمارس العنصرية أو يؤمن بشيء منها, ولكن من الصعب أن تجد من يعترف بها، لأن المجتمع سيحاربه، وهناك أيضا قوانين تقف بالمرصاد لكل من يمارس العنصرية.

العنصرية مقيتة في كل حالاتها، لكن الأخطر حينما تكون ممارسة منظمة وتتخذها دول. فمثلا التطهير العرقي الذي يعاني منه المسلمون في بورما، مثال واضح على عنصرية الدولة, أو العنصرية التي تمارسها إسرائيل ضد المواطنين العرب داخل حدودها.

فمثل هذه الممارسات ضررها خطير، لأنها تقوم على عمل حكومي منظم، مشابه لما كانت تقوم به حكومة الأبارتيد في جنوب إفريقيا, والقائم على سياسة التفرقة العنصرية، وهي التي جوبهت بمقاطعة دولية أدت إلى إنهاء الفصل العنصري هناك.

وفي أوروبا لوحظت زيادة عدد التيارات اليمينية، التي تستند إلى خطاب مناوئ للأجانب، ويبدي بعضها عداء علنيا للمسلمين. فالجبهة الوطنية في فرنسا وحزب الشعب الدانمركي ورابطة الشمال الإيطالي, وغيرها من التيارات، بدأت تكسب شعبية في الشارع الأوروبي وأصبح لبعضها وجود ملموس في البرلمان.

وهذا يعكس انقلابا في المزاج العام للرأي العام الأوروبي، فمثل هذه التيارات كانت مستهجنة وغير مرغوب فيها. ويبدو أن الأصولية المتشددة وخطاب رموزها، أوجدا أرضية مناسبة للإعلام هناك، للتركيز عليها وتضخيم تأثيرها، مع أنها تعتبر شاذة، مقارنة بالأصوات المعتدلة.

وساعد مستشرقون في خلق الفزاعة من المسلمين، فحيمنا يقول المستشرق برنارد لويس لجريدة "دي فيلت" الألمانية: "إن هناك خطرا من أن أوروبا ستكون جزءا من المغرب العربي"، لأن أوروبا حسب رأيه "ستشهد أغلبية مسلمة في نهاية القرن الواحد والعشرين، نظرا للهجرة المتزايدة ومعدلات النمو السكاني العالية للمسلمين المقيمين في أوروبا". وهذا بطبيعة الحال تسبب في رد فعل شعبي، ويثير مخاوف كبيرة.

ويستغل هذا القلق من قبل التيارات اليمينية، لتبرير توجههم الإيديولوجي، وبالتالي كسب أنصار ومؤيدين لهم. وسنت في دول الغرب قوانين لمحاربة العنصرية, وهي ليست محصورة ضد المسلمين، بل تشمل السود وغيرهم. وفي أمريكا هناك عنصرية ضد المقيمين من أصول لاتينية.

وهذا يجعل ضحايا العنصرية لا ينحصرون في جنسية أو دين معين, بل هي وباء يصيب الجميع بأمراضه.وإذا كنا نتحدث عن العنصرية في المجتمعات الأخرى, فمن باب أولى ومن منطلق المصارحة، أن نعترف بأن المجتمعات العربية تمارس بعض العنصرية، وربما نتحاشى ذكر ذلك، ولكن لا يمكن نكران الحقائق بتجاهل مناقشتها.

ففي حياتنا اليومية ممارسة عنصرية يقوم بها البعض، وأحيانا بدون قصد، باعتبار أنها أمر طبيعي. وتتضح هذه العنصرية في موقفنا من الآخر، الذي ربما يكون قبيلة أخرى أو منطقة أخرى, هذا عدا الحديث عن عنصرية المذاهب والأديان. وهناك موروث في الأمثال وفي الأشعار، يرسخ للعنصرية ويتباهى بها.

وتكشف تقارير لجنة مناهضة التمييز التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أشكالا من التمييز العرقي والقومي والديني في الدول العربية. وتقول إن التمييز ليس فقط ضد الأجانب، بل ضد المواطنين أيضا. ومن مظاهر العنصرية، ما يحصل في مجال الرياضة، فمن يسمع ترديد الجماهير لكلمات عنصرية، يستغرب أنها تمر دون مساءلة.

وهي ليست محصورة في الرياضة في المنطقة العربية، بل عالميا أيضا، حتى أن جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، طالب بضرورة التعامل بحزم مع هذه القضية، بعد ترديد هتافات عنصرية من قبل الجمهور في مباراة كرة قدم. إن نظرتنا للآخر تعكس المستوى الحضاري الذي نعيشه, وهي معيار حقيقي لنجاحنا في بناء تنمية حقيقة للإنسان.

وقد كشفت دراسة أجرتها مؤسسة "مسوحات القيم العالمية"، واستغرقت ثلاثة عقود وشملت ثمانين دولة، أن الشعوب الفقيرة تكون الميول العنصرية فيها أكثر. والقضية هنا ليست مرتبطة بمستوى الدخل كمعيار, ولكنها النتيجة الطبيعية لتدني الدخل ومستوى تعليمي وثقافي أقل, وبالتالي إفرازات ذلك تنعكس في فكر وممارسة عنصرية.

وتميل مجتمعاتنا إلى التصنيف، وبناء على هذا التصنيف يكون معيار التعامل والنظرة الاجتماعية. وهذا يؤكد حقيقة أن العنصرية موجودة في مجتمعاتنا، رغم أن الدين الإسلامي كان سابقا في محاربته للعنصرية، التي اختصرها الحديث النبوي الشريف "لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى". لكن ما يمارسه بعضنا في حياتنا اليومية، لا يعكس مفهوم هذا الحديث.

فالممارسات العنصرية والتمييزية، واقع موجود في حياتنا وتفكيرنا. وعلى الحكومات والمؤسسات والتشريعات، إصدار القوانين التي تجرم الممارسة العنصرية في كل أشكالها. وقبل ذلك هي مسؤولية رجال الدين والتعليم والإعلام، في محاربة الأفكار العنصرية، وترسيخ فكرة المساواة واحترام الآخر وقيم الإنسانية والعدل.

إن القيم الإنسانية هي مجموع مبادئ لا يمكن تجزئتها, ولكي نكون شعوبا منتجة ومبدعة، لا بد من التخلص من الأفكار العنصرية ومحاربتها. فالعنصرية داء يصيب الضحايا الذين يتعرضون له, ولكنه ينقلب على أصحابه لأنهم سيواجهون آخرين بنفس الأفكار وسيدفعون الثمن غاليا, فهي فتنة نتنة وخطيرة, وتنقلب على صاحبها كما ينقلب السحر على الساحر.

 

Email