حديث عن الطلاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا يفشل الزواج أحياناً؟ ما الذي يفتت قصة حب طويلة فتذهب مع الريح؟ ما الدوافع التي تملأ قلب شريك في الحياة بهذا القدر من الكراهية نحو نصفه الآخر؟ ما الذي يصيب شخصاً مشاعره شديدة الدفء فينقلب إلى كتلة من الثلج، ما الذي يجبر الأزواج على هجر كل الأشياء التي عاشوا من أجلها قبل الزواج، هل حقاً صار الزواج قفصاً أو سجناً للزوج في هذه الأيام؟

هذه التساؤلات الصعبة حملتها رسالة على موقع إلكتروني للتواصل الاجتماعي، رسالة ممتلئة بالألم والأنين والحزن والصراخ، وبين سطورها تسكن نفس ملتاعة مكلومة على قصة حب أخذها غراب الشر وطار.

رسالة فيها حب وزواج وطلاق، الحب حالة، الزواج مؤسسة، الطلاق تفكيك. الحب حالة غامضة ينبت فيها للإنسان جناحا عصفور، وصوت كروان، ولون زهرة، وشعاع فجر، وتلألؤ نجمة، وهمسة ليل، وعزف أرغول، وحنين مهاجر، ووصال من الله.

الزواج قارب في بحر الحياة المتلاطم الأمواج، فيه من التعاون أكثر مما فيه من الصراع، فيه من التوافق أكثر مما فيه من التنافس، فيه من الاحترام أكثر مما فيه من الخوف، فيه من الود أكثر مما فيه من الحب، فيه من التفاهم أكثر مما فيه من التناقض، فيه من الثقة أكثر مما فيه من المصلحة.

الطلاق هو ستارة النهاية، قفزة من القارب، تفكيك روابط، هروب من العيش في حجرة من أربعة حيطان مع شخص لم تعد قادراً على تحمله.

المدهش أن أغلب قصص الطلاق هي سطور حزينة في قصص حب ملتهبة. لكن الحياة غريبة حقاً، والإنسان أغرب منها، فهل فيكم من يعرف لماذا يحدث الطلاق بعد الزواج عن حب؟

الإجابة صعبة، فلا يقين في الحب والزواج، ربما يقتصر اليقين على الطلاق، لأنه نهاية، والنهاية موت وألم وعزاء وعويل ومقبرة، والإنسان بطبعه يميل للحزن أكثر من الفرح. وهذا ما شدني إلى الرسالة، فحزنها عميق، نزف لا يتوقف، حيرة تكاد تصيب صاحبتها بالجنون.

قرأت الرسالة أكثر من مرة ورأيت أن تشاركوني إياها، فتعالوا معاً نستكمل هذه التساؤلات مع هذه الحائرة: «لماذا يفشل الزواج؟ هل بسبب تغير المشاعر؟ هل لأن شريكاً يستغل نصفه الثاني أسوأ استغلال؟ هل لأن أحدهما صار مفرطاً في الأنانية؟ هل نضجت مشاعر طرف منهما فصار يرى في شريكه ما لم يكن يراه من قبل؟ أليس صحيحاً أننا عميان حين نقع في الحب؟ قولوا لي لماذا يصل الزوجان إلى نقطة اللاعودة؟ هل فيكم من يساعدني؟»، التوقيع: مها.

ومها ليست حالة فردية، فالإحصاءات تقول إن نسبة الطلاق في مصر تتراوح ما بين 25 و35 ٪، وهي نفسها في دول الخليج العربي تقريباً، وهي أفضل كثيراً من مثيلتها في الولايات المتحدة وكندا (50٪)، أو في روسيا (60٪)، لكنها أعلى من مثيلتها في إيطاليا وإسبانيا (22٪)، أكثر الدول الأوروبية تمسكاً بالتقاليد الكاثوليكية في الزواج.

فشل الزواج هو مشكلة عالمية، وهنا يحق لنا أن نقلب السؤال إلى: ما نسبة الزواج السعيد وما نسبة الزواج المصاب باختلال؟

المدهش أن الدراسات في مجتمعات متنوعة أثبتت أن الزواج غير السعيد قد لا ينتهى بالطلاق لأسباب اقتصادية في الغالب مثل ضعف دخل الزوج عن تحمل تكاليف الطلاق، أو انعدام مصدر رزق للزوجة إذا طلبت الخلع، أو ارتباط الزوج والزوجة بمصالح مالية معاً، وتقدر نسبة الزواج المستمر 20 سنة مع وجود خلل بنحو 50٪.

يعني أن نصف المتزوجين بلا أسباب عاطفية لدوام الزواج، لكنهم يستمرون معاً، ويبدو أن الزواج عملية سهلة للغاية، لكن الزواج السعيد صعب ويحتاج إلى جهود متواصلة من الزوج والزوجة للحفاظ عليه وتنميته.

أما أكثر أسباب الطلاق شيوعاً فهو الاختيار السيئ لشريك الحياة من البداية، فيكون لكل منهما توقعات لم يحققها له الطرف الآخر بعد الزواج، قلة التواصل بين الطرفين، تهافت قواعد القبول والمسؤولية المشتركة، انهيار إحساس الزوجة بالأمان، الغيرة، ضعف الثقة والاحترام، عدم القدرة على التكيف مع الضغوط الداخلية والخارجية، الإساءة الجسدية ولو بالأقوال، الاختلاف الشديد حول الشؤون المالية والثروة، عدم تلبية الاحتياجات المختلفة، الزنا (في حدود 30٪ من الرجال لهم علاقات خارج مؤسسة الزواج).

تدخل الأمهات والآباء في حياة أولادهم العائلية، التغيير المفاجئ في وضع طرف من الطرفين (ثروة أو سلطة)، ضغوط من زواج سابق (أولاد من زوج أو زوجة أخرى)، نفقة باهظة. الخ.

وقد ورد في دراسة عن أسباب الطلاق في الخليج 30 سبباً مختلفاً، شملت كل جوانب الحياة تقريباً، وإن كانت في مجملها هي نفس الأسباب في بقية الدول العربية ذات الثقافة والتقاليد المتشابهة. الزواج غير السعيد أزمة عالمية وليست خاصة بشعب أو دولة بعينها، هنا السؤال يصبح؛ وكيف نعظم فرص السعادة في الزواج ونقلل من احتمالات الفشل؟!

قد تكون الإجابة ساكنة في عبارة لهلين كلير: أحسن الأشياء وأجملها في العالم قد لا ترى بالعين ولا تُلمس، وإنما تحس بالقلب.

 

Email