القمة العربية والحصاد الفلسطيني

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتبر بيان القمة العربية في الكويت شكلياً للغاية في مجال الدفاع عن قضية فلسطين، فقد أكد لفظياً رفض العرب المطلق للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وكرر القول، إن القضية الفلسطينية تظل القضية المركزية للشعوب العربية، ودعا مجلس الأمن لاتخاذ خطوات لحل الصراع العربي- الإسرائيلي.

وبالعودة إلى أواخر عام 2013، فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالعمل على جعل عام 2014 عام التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني. أيد القرار 110 أصوات وامتنع 56، وصوت ضده سبعة أبرزهم أستراليا، وكندا، والولايات المتحدة،وإسرائيل. وأكد أمين عام الأمم المتحدة حل الدولتين، والعودة إلى حدود عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وذات سيادة، تعيش جنباً إلى جنب بسلام مع دولة إسرائيل، ويعترف كل طرف بالحقوق المشروعة للطرف الآخر.

وارتفعت منذ ذلك التاريخ أصوات عدة من مختلف دول العالم، تدعو الجانبين إلى الوفاء بالتزاماتهما، لتحقيق حل الدولتين بالطرق السلمية عبر المفاوضات، لكن إسرائيل رفضت تقديم أي تنازل، واستمرت تتحدى المجتمع الدولي. وفي 15 يناير 2014 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو موقفاً متشدداً حول ضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل أولاً، في محادثات السلام، وأكد أن ضمان أمن إسرائيل هو المدخل الأساسي لتوقيع أي اتفاق سلام شامل مع الفلسطينيين، ودعا السلطة الفلسطينية إلى الاعتراف بإسرائيل أولاً دولة يهودية بالكامل، وبحقها في الدفاع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة.

كالعادة، كرر الفلسطينيون التأكيد على إقامة دولة فلسطينية، وفقاً لحل الدولتين على أساس حدود 1967، وهو مطلب الفلسطينيين الأساسي في أي اتفاق سلام، يشمل تبادل الأراضي مع إسرائيل على أساس تلك الحدود.

من جانبها، دعت الأمم المتحدة في 16 مارس 2014، لتنفيذ الوعد بجعل العام الحالي عاماً للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، وطالبت ببذل المزيد من الجهود، لتحقيق سلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وشدد المدافعون عن السلام في الشرق الأوسط، على حماية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتحقيق إنجاز خلال هذا العام يمهد الطريق لسلام شامل وعادل في هذه المنطقة الملتهبة.

وبعد صدور قرار استفزازي، تحدت فيه إسرائيل الأمم المتحدة وأغلبية دول العالم، بقرارها بناء 1800 وحدة استيطانية جديدة على أراضي الضفة الغربية، إضافة إلى مئات المستوطنات، التي يتم التحضير لها، تبادلت دول أوروبية استدعاء السفراء مع إسرائيل، بعد ثلاثة أيام من خلافها مع حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية.

بدا موقف الاتحاد الأوروبي بمثابة الضغط المباشر لإنجاز تسوية مقبولة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكان من أولى واجبات النظام الإقليمي العربي المبادرة إلى استغلال هذه المناسبة، لممارسة المزيد من الضغوط على إسرائيل، لكن بعض الإعلاميين العرب شككوا في الموقف الأوروبي، لأنه يرفض الاستيطان من دون أن يتخذ تدابير رادعة ضد إسرائيل، وكأن المطلوب من الاتحاد الأوروبي، هو خوض المعركة مع إسرائيل نيابة عن الفلسطينيين وجميع العرب.

السبب الموجب للتشكيك في تلك الخطوات، أن إسرائيل تتمتع بمرتبة ممتازة لدى الأوروبيين، في حين أن حصول الفلسطينيين على أبسط الامتيازات، يتطلب منهم تنازلات إضافية، فقد أدت مفاوضات السلام إلى ترسيخ ما قامت به إسرائيل من تدابير تعسفية، واغتصاب شبه تام لأرض فلسطين، وتهجير الأغلبية الساحقة من سكانها، والبدء بتنفيذ المشروع الصهيوني بين الفرات والنيل، تحت يافطة مشروع الشرق الأوسط الكبير، فنجحت إسرائيل، بدعم أميركي وخداع أوروبي، في فرض مخططاتها بالقوة العسكرية أو عن طريق المفاوضات.

وبات الهدف المعلن هو تثبيت يهودية الدولة الإسرائيلية، بعد أن ضمنت محو عروبتها تقريباً، فماذا كان رد الفعل العربي على سياسة إسرائيل التوسعية؟ سبق اجتماع القمة العربية الأخيرة في الكويت، اجتماع للجنة القدس في المملكة المغربية يومي 17 و18 مارس 2014، قُدمت فيه عروض كلامية داعمة لقضية القدس باعتبارها عاصمة لدولة فلسطين، في الوقت الذي ينجز فيه الاحتلال الإسرائيلي تهويدها بالكامل، وتغييبها عن المفاوضات، فقرارات وقوانين الدولة العبرية تنفذ يومياً على مدينة القدس باعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل، وفق قرار صادر عن الكنيست.

والشرعية الوحيدة التي يعمل الإسرائيليون لتكريسها على أرض الواقع، هي شرعية قرارات الكنيست، وليست شرعية قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.

وما تمخضت عنه القمم العربية والمفاوضات العقيمة من توصيات، يرمى في سلة المهملات الإسرائيلية. وتستغل إسرائيل خلافات الفلسطينيين وغياب الموقف العربي الجامع، لتبني المزيد من المستوطنات، ولتهويد القدس بالكامل، ولتوسيع دائرة الاستيطان، والاستفادة القصوى تفكك العالم العربي.

عرب اليوم مشغولون بمسألة ساخنة مستجدة هي الحرب في سوريا، فتناسوا فلسطين التي كانت ساخنة، وباتت أسيرة المفاوضات، ما يؤكد هزال الفكر العربي الراهن وتراجعه عن شعار «فلسطين عربية وستبقى عربية»، إلى المساومة على يهودية إسرائيل، التي هيمنت على فلسطين وطمست عروبتها، وسط صمت مريب لدعاة الكفاح الثوري الفلسطيني، ولدعاة وحدة المصير القومي العربي.

Email