علم اجتماع «هانا مونتانا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحد أبرز جوانب التدفق والتشويق في الدراسات الاجتماعية الغربية عموما والأميركية خصوصا، يتمثل في قدرتها الهائلة على تتبع التغيرات المجتمعية ودمجها ضمن الأطر النظرية والمنهجية الأوسع. فالظواهر التي تبدو عابرة أو غير قابلة للدراسة، يتم وصفها وتحليلها ومن ثم ربطها بالسياقات المجتمعية الأكبر، مما يمنحها عمقا بالغا ويُكسبها زخما واسعا.

ويظهر ذلك على وجه الخصوص في المجالات المتعلقة بالثقافة والأبعاد المختلفة المرتبطة بها، وبشكل خاص ما يتعلق بصناعة الموسيقى والأغاني والفنون. فالتحليل المتعمق لهذه الظواهر، يكشف بدرجة كبيرة عن تجذرها في الواقع المعاش، كما يكشف عن شبكة التأثيرات المختلفة التي ترتبط بها، مثل التأثيرات العرقية والطبقية والنسوية، إضافة إلى ما يرتبط بالعولمة وتسليع كل شيء، بما في ذلك المرأة والطفولة والجسد.

آخر هذه الابتكارات المرتبطة بالعلوم الاجتماعية، ما قامت به إحدى أساتذة علم الاجتماع الأميركيات، من طرح مقرر دراسي بعنوان "علم اجتماع مايلي سايرس: العرق، الطبقة، النوع، ووسائل الإعلام". ومايلي سايرس مغنية أميركية شهيرة وتعرف باسم "هانا مونتانا"، مولودة عام 1992 في ولاية تينيسي الأميركية، وتمارس الغناء منذ أن كانت في الثامنة من عمرها.

وتتناول الدكتورة كارولين شيرنوف، مصممة هذا المقرر في كلية سكيدمور في ولاية نيويورك، حكاية هذه المغنية من خلال العديد من القضايا بالغة الأهمية، والتي تكشف عن طبيعة التحولات الراهنة في المجتمع الأميركي والنتائج السلبية الناجمة عنها، وبشكل خاص ما يتعلق بصناعة النجوم.

فمن خلال تناول حياة هذه المغنية الشابة، تبين شيرنوف الكيفية التي تتم من خلالها صناعة الهويات الجديدة للمغنيات؛ ففي بداية حياتها استثمرتها ديزني لاند في المسلسل ذائع الصيت الذي جاء تحت عنوان "هانا مونتانا". وفي مرحلة بلوغها، استثمرتها شركات الإنتاج في خلق ميول واتجاهات جديدة للمراهقين وصغار السن من الأجيال الجديدة. واللافت للنظر هنا ذلك التقسيم غير المسبوق للجماهير، والذي جعل شركات الإنتاج الفنية تستثمر كافة الأعمار وتوجهها الوجهة التي تريد. فإذا كنا نقسم الصغار عموما إلى أطفال ومراهقين، فإن هذه الشركات توجه تركيزها الآن على المرحلة البينية، التي يقبع فيها الملايين من صغار السن بين التحول من الطفولة إلى المراهقة.

في هذا السياق تتناول شيرنوف إنتاج شركة ديزني لاند لمسلسل هانا مونتانا، الذي جذب العديد من الشرائح العمرية، بما في ذلك تلك الشريحة البينية بين الطفولة والمراهقة، وهو أمر ظهر من خلال خلق الأميرة الجديدة التي تمثل حلما لكافة الإناث، وبشكل خاص من يقتربن من عمرها. والملاحظ هنا هو ذلك التسليع اللافت للنظر، للطفولة واستخدامها إنتاجيا وربحيا، مع ما يرتبط بذلك من استباحة غير مسبوقة للأطفال والمراهقين وما بينهما، وهم يتابعون النماذج الفنية التي تخلقها شركات الإنتاج، وتجني من وراء ذلك ملايين الدولارات.

لا تهتم هذه الشركات ببراءة الطفولة، كما لا تهتم ببراءة التحول من مرحلة عمرية لأخرى، بقدر ما تهتم بأسر كافة الأعمار من المشاهدين، وضمان ألا يفلت من قيد الشاشة أي شخص.

وتتقاطع هنا مسألتان على قدر كبير من الأهمية، أولاهما تتعلق بكون النجم لا ينمو النمو الطبيعي المرتبط بعمره، بقدر ما ينتقل بسرعة من مرحلة لأخرى، من أجل القفز على الطفولة والرغبة في تقديم ما يرتبط بعالم الكبار والبالغين، وهو أمر ارتبط بالعديد من النجوم وعلى رأسهم هانا مونتانا، التي قدمت الكثير من الأغاني المثيرة، رغبة منها في الدخول إلى عالم الكبار.

وثانيتها ترتبط بالمشاهدين من الصغار والمراهقين، الذين يقلدون ما يٌقدم لهم دون تفكير أو روية، استنادا إلى النماذج الفاضحة التي تقدمها لهم شركات الغناء.

والواقع أن هذه الشركات لا تقف فقط عند متغير العمر، بقدر ما يمتد تأثيرها إلى متغيرات أخرى بالغة الأهمية، تتعلق بالأعراق والطبقات والذكور والإناث، رغبة منها في نشر توجهاتها وتأثيراتها إلى أكبر مساحة بشرية ممكنة، كما أنها لا يهمها مآل هؤلاء النجوم وما يرتبط بأفول نجمهم وربما دمار حياتهم.

وهو أمر يجعل من تتبع حياة هؤلاء النجوم، مثل هانا مونتانا وبريتني سبيرز وكرستينا أجيليرا، مسألة هامة جدا في ضوء انتهاك براءتهن مبكرا، لصالح شركات الإنتاج التي لا يهمها سوى الربح.

إذا كان من المهم متابعة هذا الإنتاج الأكاديمي الغربي، فإن الأهم من ذلك هو النظر بعين الاعتبار لما يحدث في عالمنا العربي، ودور الشركات الإنتاجية الجديدة في صناعة النجوم، وخلق نماذج جديدة تنتهك براءة الأطفال والمراهقين، وهو أمر يستدعي من علماء الاجتماع العرب مرونة الاختيار، وعمق التحليل، وتجاوز الخجل في تناول الموضوعات الثقافية المختلفة.

Email