تاريخ إخواني عقيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما كاد المشير عبد الفتاح السياسي يعلن نيته الترشيح لمنصب رئيس مصر، حتى فتحت عليه جماعة الإخوان المسلمين نيران مدفعيتها الثقيلة بالسباب والشتائم والبذاءات على صفحات فيس بوك وتويتر، في تعبيرات شديدة الوقاحة عديمة الحياء. وحين رفع كثير من المصريين راية الاعتراض وكثر استهجانهم، حاول الشتامون تفسير بذاءاتهم برواية نسبوها لصحابي جليل، وردت فيها جملة عارية فيها نوع من السب والقذف حط فيها من قدر "كافر"، وقالوا إن الرسول سكت عليها، واستدلوا منها بأن سب "الظالم" جائز شرعا، ولو بألفاظ خارجة على التقاليد والآداب العامة.

 مع أن الإسلام يحض على مكارم الأخلاق طول الوقت وفي كل موقف، وهي نفس الطريقة التي حاولوا بها أن يبرروا تبريرا دينيا، أعمال العنف التي ارتكبوها - وما زالوا - طوال تاريخهم، فهم دائماً يطوعون النص الرباني لتأويل يمنحهم حرية التصرف على النحو الذي يفضلونه ويصب في مصلحتهم، ولم ينتبه أعضاء الجماعة إلى أن الوقاحة في التعبير والشطط في قلة الأدب، يسقطان عن الجماعة أي مبرر أخلاقي لوجودها، كما أسقطت تصرفاتها السياسية الشاذة عقب وصولها للسلطة، مبرر وجودها السياسي في ساحة الوطن.

وقد حدث أن دخلت في حوار مع "إخواني"، وهو طبيب فوق الخمسين عاما، وتصورت فيه نضجا في العقل وترويا في التفكير وهدوءا في الرد، وقد تجنب مصريون كثيرون الدخول في حوارات مع الإخوان، لأنها لا تثري أفكارا، بقدر ما تتسبب في مصادمات عنيفة تشبه حوادث السيارات على الطرق السريعة، فأعضاء الجماعة لا يقبلون أي رأي مخالف مهما كانت وجاهته وحجته.
 

وينكرون أي وقائع حدثت منهم في الماضي طالما أن كتابها ليسوا من الجماعة، وإذا ذكرت أمامهم كتبا لقيادات كانت في الجماعة ثم انشقوا عنها وفروا بجلدهم، يستهزئون بهم ويطلقون عليهم ألفاظا صعبة وصفات "الذين رجعوا للكفر بعد الإيمان"، وحين يواجهون سؤالا صعبا قد تبتعد إجابته عنهم وتسيء إليهم أو تفضح موقفهم، ينحرفون بالسؤال إلى دهاليز خلفية..

وقد حدث حوار من هذا النوع مع "واحد" معجون بالإخوان، وقد اخترته متعمدا، وسألته: إلى أي مدى ستستمرون في هذه المظاهرات والمصادمات مع الدولة؟ ألا ترون أنها أصبحت مسلسلا مملا وغبيا معروفة نهايته من أول مشهد فيه؟ قال: حتى تعود الشرعية.

سألته: تعود من أين؟ هي ليست مسجونة أو منفية أو موضوعة على الرف، وما تسمونها شرعية، انتهت صلاحيتها للاستخدام الآدمي في 30 يونيو الماضي، هي ماتت وشبعت موتا، والمظاهرات والاعتصامات والعنف لا تعيد الموتى.

سخر قائلا: نعم نعم، تريد منا أن نستسلم ونسلم أكفاننا إلى أعدائنا ونعترف بالانقلاب. قلت: يا سيدي ما حدث ليس انقلابا ولا يحزنون، وإذا كان انقلابا ووقفت جموع الشعب خلفه فقد كسب مصداقية وشرعية.

زادت سخريته: وشرعيتكم هي اعتقال الناس وضربهم بالرصاص وتعذيبهم في السجون؟

قلت: دعك من السفسطة، وقل لي ما نهاية هذا الطريق الذي تمضون فيه؟ قال: نواظب على المظاهرات ومناهضة الشرطة والعسكر، ونصر الله قريب.

سألته: هل وضعتم فترة زمنية محددة.. عاما أو عامين أو ثلاثة أو حتى عشرة؟! أجاب: علينا العمل والاجتهاد حتى يأتينا نصر الله.

سألته: قطعا لا نعرف متى يأتي نصر الله، ويجوز لحكمة لا يعلمها إلا الله أن يتأخر هذا النصر المُنتظر.. فماذا تفعلون؟! قال: لن نستسلم، فالجهاد فرض عين.

قلت: هذا ضد مصلحة الوطن، ويسبب خسائر فادحة يقع عبؤها على عاتق بسطاء الناس وأكثرهم احتياجات. قال: مجرد آثار جانبية لعلاج فعال ضد فيروس الانقلاب.

سألته: وهل الصراع على السلطة جهاد في سبيل الله؟ قال: نحن نتبع ما أمرنا به الله في كتابه العزيز وسنة رسوله.

قلت: دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة.

مضت دقائق قبل أن يعود بإجابة: العكس هو الصحيح، نحن نحاول دفع الضرر عن مصر وناسها، وليس هدفنا السلطة، نحن نمنع ضررا وهو سقوطها في قبضة العسكر والديكتاتورية!

قلت: لو كان كلامك صحيحا لخرج مئات الآلاف معكم في مظاهراتكم، 50 ألف متظاهر في 25 يناير كانوا شرارة إسقاط حسني مبارك، وكان معه الجيش والشرطة، ثم انضم إليهم الشعب بعدها، بينما العكس هو الذي يحدث الآن، غالبية الشعب مع الجيش والشرطة، ولا يعرف التاريخ جماعة كسبت شعبا وأجبرته على التراجع.

قاطعني قائلا: لا تتعب نفسك، نحن في أول السكة وسنكملها للآخر..

سألته: حتى لو خربت مصر؟! فلم يرد.

 

Email