قراءة سياسية في علاقة قطر بالإخوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يخفى على أحد الدعم الذي تقدمه قطر إلى الإخوان المسلمين سواء كان ذلك لإخوان مصر أو فلسطين، أو لاحتضانها قيادات التنظيم الإخواني وعلى رأسهم يوسف القرضاوي.

إلا أن الكثيرين يتساءلون عن الدوافع وراء هذا الدعم القطري لتنظيم تم تفنيده في بلده الأم بأنه إرهابي، وأنه تنظيم يُنظر إليه على أنه مهدد لأمن واستقرار الدول المحافظة لاسيما تلك التي في دول الخليج العربي بما فيها قطر. هذه المقالة تحلل تلك العلاقة من المنظور السياسي للمساعدة في فهم تلك الدوافع.

لعل العامل السياسي الأبرز وراء التقارب القطري الإخواني هو قناعة الحكومة القطرية بأن تنظيم الإخوان المسلمين لا يشكل خطراً على قطر، وتفسيرها لذلك هو أنه ليس لديها إخوان مسلمون نشطون بين رعاياها، وعليه فهي لا تخشى نفوذهم من هذا المنطلق. هذا الأمر جعل قطر تتعامل مع الإخوان.

إن قطر دولة ذات إمكانيات تصنف وفق أدبيات السياسة الدولية من ضمن الدول الصغيرة في العالم نظراً لصغر حجمها الجغرافي والبشري، لذلك فإن دولاً من مثل هذا التصنيف تسعى إلى خلق أوراق لها للتعامل مع العالم. وعليه فإن قطر تحاول استثمار الإخوان المسلمين كورقة لتحقيق مصالحها في التعامل مع العالم الخارجي.

إن الدول الصغيرة تستشعر الخطر المحدق بها فتعمل على رفع قدراتها من أجل أن تحقق درجة من التوازن في العلاقة مع الدول أو الأطراف التي تعتبر منافسة لها.

قطر تود تعويض ضعف إمكانياتها الجغرافية والبشرية باستثمار القوة الاقتصادية لرفع مكانتها في العالم ـ ولاسيما في محيطها الإقليمي ـ إلى مصاف الدول المتوسطة القوة في أفضل الحالات. لذلك فهي تحاول تنويع أوراقها التي يمكن أن تلعبها في صالح تحقيق هذا الهدف.

الإخوان المسلمون هم أحد الأوراق التي تستثمرها قطر لصالحها في البروز الإقليمي. هذا ما نسميه في العلاقات الدولية منطق فلسفة الواقعية الدفاعية بهدف تحقيق التوازن مع القوى الإقليمية الرئيسية.

وليس من الخفي القول بأن قطر متوجسة من وجود قوى إقليمية رئيسية في المنطقة كالسعودية في المجال السياسي والإمارات في المجال التنموي، لأن ذلك يضعف قوة بروزها للعب دور قيادي فيها.

قطر تعاملت مع هذا الوضع من منطلق السير في مجال تحقيق هدفها القيادي ومنافسة القوى الإقليمية. الإخوان المسلمون غير مقبولين في منطقة الخليج العربي، حيث إن الدول الخليجية تخشاهم بشكل واضح وبعضها يتعامل معهم بالرفض والمواجهة.

من هنا جاء التوجه القطري لاستثمار ما يمكن أن يكون مرفوضاً من بعض القوى الإقليمية الرئيسية ليصبح مقبولاً قطرياً، وعليه تمتلك قطر ورقة ضغط لصالحها في التعامل مع مثل تلك القوى.

إن تعامل قطر مع الإخوان يحقق لها مصالح آنية لكنه بالتأكيد لا يحقق لها مصالح إستراتيجية على المدى البعيد.

فالإخوان المسلمون يسعون إلى الوصول إلى السلطة ثم التشبث بها وتوسيع نطاق عملهم مع تنظيمهم العالمي لإنشاء شبكة دولية إقليمية من الحكم الذي من شأنه أن يحقق هدفهم في إقامة الخلافة الإسلامية من الشرق إلى الغرب الإسلامي بقيادة المرشد الأعلى للإخوان. فقطر ليست مستثناة من هدف الإخوان هذا.

لكن الطرفين يستغل بعضهما البعض لتحقيق مكاسب ومصالح له. فقطر تريد أن تستثمر ورقة الإخوان لمد نفوذها في المنطقة واحتواء نفوذ الدول المنافسة لها عبر التهديد بورقة الإخوان، والإخوان من جهتهم يستغلون تعاطف قطر معهم للدفاع والترويج عن أجندتهم في المنطقة.

قطر لا تخشى من الإخوان المسلمين لأنها تعتقد أنه لا يوجد نشاط للإخوان في أراضيها، وأن قيادات الإخوان المسلمين الموجودة لا تحمل أجندة للعمل في داخل قطر وإنما هي موجهة للخارج بالدرجة الأساسية، وهو ما يتوافق مع التوجه القطري. بالإضافة إلى ذلك فإن الإخوان المسلمين هم أكثر الجماعات التي يمكن لقطر التأثير فيها نظراً لأنها جماعة منظمة من جهة، ولوجود بعض قياداتها على الأرض القطرية من جهة أخرى.

بالطبع تضر أنشطة الإخوان المسلمين المشبوهة في أية دولة خليجية ضد دولة خليجية أخرى بعلاقة الخليجيين ببعضهم البعض.

ولعل ما يصدره يوسف القرضاوي من مهاترات من قطر ضد دولة خليجية مثل دولة الإمارات إنما يشكل خطراً على طبيعة العلاقة الأخوية بين الإمارات وقطر، والتي شكلتها بنية الطبيعة الجغرافية والاجتماعية والتاريخية للمنطقة.

إن الإخوان يحاولون ضرب العلاقة بين الدولتين بما يخدم مصالح التنظيم الإخواني وليس مصالح الدولتين الشقيقتين اللتين لم تعرفا في تاريخهما السياسي الحديث توجيه تهديدات لبعضهما البعض عبر أراضيهما.

فلا أحد في الإمارات ينتقد أية دولة خليجية، بل جميع الإماراتيين يدعمون الأنظمة الخليجية ويعتبرونها جزءاً من النسيج الخليجي الذي وللأسف يحاول الإخوان تمزيقه، ولا يمكن للإمارات أن ترضى لأي طرف أن يتواجد على أرضها يحمل أجندة للإضرار بدولة خليجية أخرى.

لا أحد ضد أن تقوم قطر باتخاذ ما تراه مناسباً لها، ولكن لا يمكن لأحد أن يرضى بسكوت قطر على ما يقوم به الإخوان المسلمون من محاولات لتمزيق التجانس الخليجي. دول الخليج جميعها دول محافظة تشترك في الفكر السياسي القائم فيها، وعليه فإن كل ما يهدد ذلك الفكر لا يعتبر مهدداً فقط لدولة بعينها بل هو مهدد لدول الخليج بأسرها.

لذلك فعليها أن تتعامل معه بشكل مشترك. وهذا هو أساس قيام مجلس التعاون الخليجي وهو أساس التزام الخليجيين بميثاق الشرف الخليجي في العمل المشترك ضد كل ما يمكن أن يؤثر على سلامة وأمن كل دولة خليجية.

لا يخفى على أحد أن الخليج العربي يواجه اليوم تهديد توغل أطراف خارجية في شؤونه الداخلية تحمل أجندة محاولة شق الصف الخليجي لغير صالح الدول الخليجية. والإخوان المسلمون هم أحد تلك الأطراف التي تعمل في هذا الإطار. وعليه لا بد من أن تُغلب الدول الخليجية المصلحة الإستراتيجية الخليجية على المصلحة الآنية قبل أن يفوت الأوان ونصبح نادمين على قيام بعضنا وضع يده في يد من لا يريد بنا الخير.

 

Email