المرأة العربية في زمن الانتفاضات

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة، والتقاليد المجحفة جداً بحق المرأة العربية كإنسانة، ومواطنة، وعاملة، شاركت المرأة في انتفاضات عام 2011 بأشكال مختلفة، وكان لها حضور فاعل في التظاهرات، والاعتصامات، والمسيرات الجماهيرية في الدول المنتفضة، وساهمت في التواصل بين القوى المنتفضة، عبر التكنولوجيا الحديثة وأدواتها المتطورة.

وحرضت الحركات النسائية على الانخراط في الانتفاضات الشعبية، لاكتساب وعي ثقافي جديد يساعدها على كسب معركة التحرر والدفاع عن حقوقها الأساسية، والتعبير عن قضاياها الخاصة التي حرمت منها تحت تأثير قوى ظلامية وأنظمة استبدادية.

وتعرض الكثير من الناشطات للسجن، والتعذيب، والتنكيل، والاغتصاب، والتجريح بالكرامة الشخصية، لكنها واجهت بصلابة سياسة التخويف والتهديد والتذكير بالصورة النمطية للمرأة العربية، وأقامت في خيم المعتصمين، وسارت في طليعة الجماهير الغاضبة، وشقت طريقاً محفوفاً بالمخاطر على أمل بناء وطن حر وشعب سعيد.

ساهم سقوط بعض الأنظمة التسلطية العربية، في توليد حركة واسعة من الاحتجاج السلمي والدعوة إلى إنهاء عهد الفساد والإفساد، ومنعه من تجديد نفسه على الركائز السابقة، وتحسين الأوضاع المعيشية بعد الانهيار المريع في مستوى المعيشة في مختلف أنحاء الوطن العربي. وشهدت دول عربية عدة حركات احتجاج جماهيرية، كان للنساء المناضلات دور مهم فيها.

بعد وصول حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم في تونس، اتسعت حركة الاحتجاج السلمي في صفوف الناشطات، للدفاع عن الحقوق التي كانت المرأة التونسية تتمتع بها في مجال الزواج والطلاق وتنظيم النسل..

وطالبت بمشاركة فاعلة ومؤثرة للمرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، وشددت على إبراز التغيير المطلوب في بنية المجتمع التونسي وباقي المجتمعات العربية المنتفضة. لكن الحراك النسائي لم يعط نتائج إيجابية مباشرة، في الانتخابات البرلمانية وتشكيل الأحزاب والمنظمات السياسية والنقابية والاقتصادية وغيرها.

وبقي دور المرأة مهمشاً في مختلف المجالات، ما استدعى الاستمرار في النضال النسوي بوتيرة متصاعدة، إلى أن نجحت قوى التغيير التونسية في الإعلان عن دستور جديد يضمن حقوق المرأة، ويؤسس لمجتمع المعرفة في تونس، ولتحقيق التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة.

ورغم الأحداث الدامية في مصر، فإن قوى التغيير ما زالت متماسكة وتطالب بتحقيق مطالب الشعب المصري في الحرية، والمساواة بين المرأة والرجل في مختلف المجالات، والاهتمام بدور الشباب بصفتهم رجال المستقبل. ونشير هنا إلى بيان مسيـرة «نساء مع الثورة» في 8 مارس 2012..

والذي جاء فيه: «نعلن نحن النساء المصريات، باعتبارنا شريكات في الوطن وشريكات في الثورة، أننا سنواصل مسيرة النضال من أجل حقوقنا، في ظل مبادئ المساواة والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وسنعمل على استكمال مطالب الثورة في دولة مدنية ديمقراطية.. ونؤكد تمسكنا بحقوقنا التي انتزعناها عبر عقود طويلة».

وتكريماً لجرأتها ومواقفها النضالية، نالت الإعلامية اليمنية توكل كرمان، جائزة نوبل للسلام لعام 2011، لدورها في الثورة الشبابية الشعبية في اليمن ورئيسة منظمة صحافيات بلا قيود.

وهي أول امرأة عربية تحصل على جائزة نوبل، وخامس شخصية عربية، ومنح البرلمان الأوروبي ست مناضلات من مصر وسوريا وتونس، جائزة حرية الفكر. اليوم، وبمناسبة العيد العالمي للمرأة في 2014، تشير أوضاع الدول المنتفضة بشكل خاص وفي الدول العربية بشكل عام، إلى أن المرأة العربية لم تحصل حتى الآن سوى على بعض المطالب الإصلاحية التي تنادي بها منذ عقود طويلة.

وتتحمل المرأة مسؤولية أساسية في هذا المجال، نظراً لقصور الوعي الثقافي لدى الكثير من النساء بحقوقهن الأساسية، والعجز عن تشكيل منظمات نسائية فاعلة وقادرة على فرض مشاركة المرأة في الحياة السياسية العربية، لانتزاع مطالبها بالطرق السلمية، من خلال الحيز الواسع الذي منحته لها الدساتير الجديدة في الدول العربية المنتفضة.

وهناك مقالات كثيرة منشورة بأقلام ناشطات عربيات، تشير إلى أن غياب الوعي الثقافي لدى المرأة العربية يساعد على تحجيم دورها السياسي، ويبقيها خارج دائرة التأثير المباشر في تصويب مسار الانتفاضات العربية. وما زالت المعوقات الثقافية والتقاليد الذكورية الموروثة قوية جداً في المجتمعات العربية، وهناك نسبة كبيرة من الذكور ترفض المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كثير من الدول العربية.

ومع أن الذهنية التسلطية تتحكم في الرجل والمرأة معاً فيها، إلا أن نتائجها السلبية في الممارسة العملية تطال المرأة بالدرجة الأولى، وتحد من قدرتها على ممارسة حريتها الفردية، والمشاركة في التشريع، والنشاط السياسي، والتوظيف.. وغيرها.

لذا تبدو المرأة في الواقع الاجتماعي العربي الراهن، ضحية مستمرة للتقاليد العربية الموروثة، والتي لم تستطع الانتفاضات العربية أن تحد من سلبياتها بصورة واضحة خلال السنوات الثلاث الماضية. بيد أن المرأة العربية خرجت بصورة علنية على هذه التقاليد، وشاركت في عملية التغيير بصورة فاعلة، وهي ترفض تجديد الأنظمة في الدول المنتفضة، على الركائز التقليدية السابقة التي همشت دور المرأة العربية.

وهي مستمرة في النضال دفاعاً عن قيم الحرية والعدالة والمساواة، والمطالبة بإقامة أنظمة ديمقراطية سليمة، تنصف المرأة والشباب والعمال والفلاحين وجميع القوى الحية في المجتمعات العربية. ختاماً، أكدت المرأة العربية التزامها الكامل بالنضال الدائم دفاعاً عن حريتها، واحتراماً لتضحيات من قدمن أرواحهن دفاعاً عن حرية المرأة العربية في حياة حرة وكريمة.

وبمناسبة العيد العالمي للمرأة هذا العام، نددت الحركات النسائية العربية بعجز القوى المنتفضة عن تحقيق ولو جزء يسير من حقوقهن، ومن دون مستنفرات للدفاع عن قضاياهن الخاصة في مجتمعات متخلفة تقمع المرأة. فالانتفاضات العربية مرتبكة، ومحاولات الثورة المضادة مستمرة لوقف مسيرتها، بدعم غير محدود من قوى عربية ودولية، وتراجعت فرص نجاح الانتفاضات في إنجاز إصلاحات جذرية تحرر المرأة العربية من القيود التي تكبلها.

وتسعى المرأة العربية إلى بناء علاقتها بالدولة المنتفضة، على أسس حقوقية واضحة تقوم على فرض حكم القانون، وإقامة دولة عادلة تساوي بين الرجل والمرأة في جميع المجالات. ويتحدد نجاح الانتفاضات بمدى قدرتها على تحرير المرأة، والتعاطي معها كمواطنة حرة لديها حقوق مشروعة، ضمنتها لها شرعة حقوق الإنسان، ونصت عليها الدساتير العربية الجديدة.

 

Email