السيسي بين الترشح والتردد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لغط هائل في الشارع المصري عن توقيت ترشح وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي لمنصب رئيس الجمهورية، مع أن باب الترشح لم يفتح بعد، ولا قانون انتخابات الرئيس قد صدر، لكن الحالة التي عليها مصر، جعلت من موضوع «المشير السيسي» والمنصب، طبق الحلو على كل موائد الحوار، في البيوت والمقاهي والأندية والمواصلات العامة والمكالمات التليفونية ودواوين الوزارات. والحالة المصرية المقصودة هي خليط من الفوضى والقلق والأمل والملل والحلم، في مواجهة عنف منظم تمارسه التيارات الدينية المتطرفة، خاصة جماعة الإخوان.

وبالفعل بات موضوع ترشح المشير السيسي من عدمه مسألة محيرة للغاية، وأحياناً يفاجأ المرء بسؤال من شخصيات لها حيثية: هل يمكن ألا يترشح؟!

وعدم ترشح السيسي قد يكون هو «الكابوس» الذي يطارد ملايين المصريين البسطاء والمتعلمين، رغم وجود تيار يناهض هذا الترشيح ويرفضه بشدة، تحت شعار «لا نريد حكم العسكر»، بينما عامة المصريين يرون في «خلفية المشير العسكرية» صمام أمان للدولة المصرية وأمنها القومي، في ظل هذه الأوضاع المضطربة داخلياً وخارجياً. فهم يبحثون عن «رئيس قوي» صارم، يضبط إيقاع الحياة في مصر، وينقذها من الفوضى الضاربة في جنباتها، ولا يرون في الشخصيات المدنية المحتملة للترشح رئيساً لمصر، أي قدرة على مواجهة هذه التحديات.

لكن المشير عبد الفتاح السيسي يقابل هذه الإلحاح الشعبي الضاغط بكل الصمت، حتى بعد صدور بيان من المجلس العسكري قبل شهر تقريباً، حول هذه المسألة، فسره الكثيرون بأنه «تأييد» للترشح استجابة لرغبة الشعب، وإن هاجمه البعض باعتباره تدخلاً من لمؤسسة العسكرية في السياسة، وكان من الواجب أن تنأى بنفسها عن المستنقع.

وتسابقت التحليلات في تفسير صمت السيسي عن إعلان ترشحه من عدمه، وكانت كل الفضائيات تقريباً، قد توقعت ترشحه مع نهاية الأسبوع الثالث من شهر فبراير الفائت، وأخذ الشهر أيامه ورحل إلى كتب التاريخ، دون أي جديد في هذا الأمر.

لكن أغرب الأخبار قد نشر قبل ثلاثة أسابيع على مواقع إلكترونية، بالتتابع وبلغة قاطعة. وقال الخبر: عُلم من مصادر مطلعة أن المشير عبد الفتاح السيسي قرر عدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية، وأن وجوده في قيادة الجيش في هذه المرحلة الحساسة مهمة وطنية خطيرة، وأنه قد يترشح في المرات المقبلة، حتى لا يفهم أعداء الوطن من الإخوان والأمريكان، أن الجيش المصري انحاز للإرادة الجماهيرية كي يقفز إلى سدة الحكم.

وقد تعامل المصريون مع الخبر ببعض القلق المصاحب بعدم التصديق، واشتغلت الفضائيات عليه، وكان رد فعل الجمهور حزيناً ومتألماً لو كان ذلك صحيحاً، بل وصف البعض عدم الترشح بأنه «كارثة»، وهذا ما دفع باسم يوسف في برنامجه الشهير، إلى تخصيص فقرة كاملة للسخرية من مبالغات رد فعل الناس وبعض الإعلاميين.

لكن الناس أخذهم قلق عنيف حقاً مع تغيير حكومة الدكتور حازم الببلاوي. صحيح أن الناس فوجئوا بها، لكنها ارتاحت لاستقالتها، لأسباب كثيرة تمس أداءها العام، وتصورت أن الحكومة الجديدة لن تشمل المشير عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع، على أساس أن الرجل سوف يخلع زيه العسكري، ويعلن خوضه الانتخابات الرئاسية. وجاء اسم السيسي في الوزارة الجديدة محبطاً ومثيراً للتساؤلات والتكهنات، وبدا الاحتمال المستبعد يلوح في الأفق، ويكاد يتجسد أمام المصريين على أرض الواقع المضطرب.

والسؤال: هل يمكن ألا يرشح السيسي نفسه في الانتخابات الرئاسية؟! أتصور أن الإجابة المنطقية تستبعد هذا الاحتمال تماماً، لأسباب كثيرة:

أولاً: قطع المصريون شوطاً هائلاً في الترشيح الشعبي والتصويت غير الرسمي، طوفان هائل كاسح يصعب أن يقف أمامه أي احتمال آخر، خاصة أن السيسي نفسه لم يخرج على الناس نافياً نيته ترشيح نفسه، وترك هذا الطوفان يتشكل أمام عينيه ويتبعه يوماً بيوم، دون أن يوقفه أو يقلل من قوة جريانه، بل إن لافتات دعائية له انتشرت في قرى ومدن المحافظات، بل في القاهرة نفسها، وموقعة باسم «فلان الفلاني مندوب الحملة»، ولو كان لا يريد لأعلنها قبل كل هذا الحشد والتعبئة، والمصريون لهم مثل شائع «السكوت علامة الرضى».

ثانياً: شيء طبيعي جداً ألا يتحدث المشير السيسي ويعلن نيته خوض الانتخابات وهو بزيه العسكري، فهذه مخالفة دستورية، والأهم هو تدخل سافر من المؤسسة العسكرية، ولا يجوز له فعل ذلك إلا بعد خلع «الميري»، وهذا احترام لقواعد اللعبة في مجتمع لا تنقصه الأزمات.

ثالثاً: بالفعل بيان القوات المسلحة قبل شهر تقريباً، هو إعلان بخوض الانتخابات، حتى لو ترك للرجل حق الاختيار رفضاً أو قبولاً، وإلا فلا معنى لهذا البيان.

إذاً، نحن نتحدث عن توقيت، وأتصور أن المشير السيسي يريد أن تكون الفترة بين خلع الزي العسكري وخوض الانتخابات أقل ما يمكن، في وطن يكاد الإعلام يلتهم فيه كل شخص وكل شيء، وإذا ترشح مبكراً فهذا سيفتح حوارات فضائية، قد تكون غير مستحبة وتعوق حملته.

 

Email