حكومة لبنانية في مواجهة مخاطر الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أزمة استمرت عشرة أشهر وعشرة أيام، توافقت القوى السياسية اللبنانية على إخراج لبنان من الفراغ الحكومي، بعد تفاقم الأوضاع الداخلية والإقليمية، التي باتت تهدد وجوده، في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية والدخول في فراغ دستوري بعد 25 مايو 2014.

عكست تركيبة حكومة المصلحة الوطنية، برئاسة تمام سلام، توازنات دقيقة في تمثيل قوى 8 آذار، و14 آذار، والوسطيين، وغاب عنها حزب القوات اللبنانية، الذي استمر في رفضه الدخول في حكومة تضم "حزب الله". وإلى جانب التوافق الداخلي، برز توافق إقليمي ودولي أسهم في الإعلان عن الحكومة الجديدة. وهي تواجه مهمات ملحة ومعقدة، بعد اشتداد المعارك العسكرية في سوريا، وزيادة عدد النازحين السوريين إلى لبنان، واستمرار موجة التفجيرات الإرهابية في مختلف المناطق اللبنانية.

لاقى الإعلان عن حكومة المصلحة الوطنية، دعماً فورياً من الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية، وحظيت بالترحيب من جانب الأسرة الدولية، ومؤتمر دعم لبنان، لأنها ضرورية لحماية لبنان من تداعيات الأزمة السورية. ورحبت فرنسا بحكومة الوفاق الوطني اللبناني، التي تعبر عن مصلحة لبنان العليا، متمنية أن تكون قادرة على مواجهة التحديات، التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وتساعد على الحفاظ على استقرار لبنان ووحدته وسيادته.

مع ذلك، تواجه الحكومة الجديدة صعوبة التوافق على بيانها الوزاري، الذي يحدد مهماتها المباشرة، خلال عمرها القصير، لأنها تعتبر مستقيلة حتماً فور انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتوليه مهماته الدستورية، فالقوى المساندة للمقاومة داخل الحكومة، تتمسك بمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، التي تعتبر غطاء شرعياً للحفاظ على سلاح "حزب الله"، بصفته حزباً مقاوماً لإسرائيل، وليس منظمة إرهابية، وفق توصيف الولايات المتحدة له، ودول أوروبية وعربية، لكنها صيغة إشكالية، ترفضها القوى الممثلة لفريق 14 آذار داخل الحكومة، التي تتمسك بإعلان بعبدا، وتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية.

والحكومة الجديدة مطالبة بمواجهة العمليات الإرهابية المتزايدة في لبنان، والاستفادة من المساعدات الكبيرة المقررة للجيش اللبناني، بعد الهبة السعودية بقيمة ثلاثة مليارات دولار لشراء أسلحة فرنسية المصدر تحديداً. وعليها أيضاً معالجة مشاركة تدخل "حزب الله"، وقوى عسكرية لبنانية أخرى في الحرب الدائرة في سوريا، نظراً لخطورة ارتداداتها السلبية على لبنان.

يبدو أن زعماء الكتل السياسية الكبرى في لبنان توافقوا على صيغة مقبولة من الجميع في قضايا ليست خلافية، منها ضرورة معالجة موضوع اللاجئين السوريين، الذي يصعب حله من خلال مؤسسات الدولة اللبنانية، ما يستوجب الحصول على دعم مالي من الخارج. ومن أولى الواجبات الحكومة الجديدة، الالتزام بحل المشكلات الشعبية، التي تم التوافق عليها سابقاً، وفي طليعتها سلسلة الرتب والرواتب للقطاعين العام والخاص، التي تطال أغلبية الشعب اللبناني، وتم التوافق عليها سابقاً، وتحويلها فوراً إلى البرلمان، لإقرارها في أقرب فرصة.

نخلص إلى القول، إن عناصر إيجابية متنوعة، داخلية وإقليمية ودولية، أسهمت في تسهيل الإعلان عن الحكومة. وبرز تفاهم ضمني بين المملكة العربية السعودية وإيران، لإنجاح ولادة حكومة جامعة، تدافع عن المصلحة الوطنية. وذلك يؤكد حرص تلك القوى على استقرار لبنان، وحماية شعبه من تداعيات الأزمة السورية المتفاقمة عسكرياً، بعد فشل لقاءات جنيف بين ممثلي النظام السوري والمعارضة.

بيد أن موجة التفاؤل، التي رافقت سرعة الإعلان عن تشكيل الحكومة، لم تحجب الصعوبات الكبيرة، التي برزت حول صيغة بيانها الوزاري. وزاد الموقف تعقيداً بعد الانفجار المزدوج، الذي استهدف المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت (20/2/2014)، أي بعد يوم واحد على إعلان الحكومة الجديدة.

وقد أودى الانفجاران الإرهابيان بحياة أكثر من 11 قتيلاً وعشرات الجرحى، وألحقا دماراً كبيراً في الأبنية المجاورة. ويبدو أن الأجواء الإيجابية التي رافقت تشكيل هذه حكومة، تراجعت بشكل واضح مع بروز خلاف عميق بين قوى 8 و14 آذار داخل لجنة البيان الوزاري، حول أولوية مكافحة الإرهاب، عبر إعادة التأكيد على معادلة الجيش والشعب والمقاومة من جهة، وإعلان بعبدا من جهة أخرى.

وفي حين يؤكد بعض الآراء إمكانية حل الخلاف بسرعة داخل لجنة البيان الوزاري، لأن عمر الحكومة قصير جداً، ولا يستحق بيانها الوزاري النقاش المستفيض، تخشى القوى المساندة للمقاومة من أن تعتمد الصيغة الجديدة، التي تتخلى عن معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، في بيان الحكومة اللاحقة، التي ستشكل بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فتصبح قاعدة يتمسك بها العهد الجديد ليفقد سلاح "حزب الله" الغطاء الشرعي من الدولة اللبنانية، ويتحول إلى سلاح ميليشياوي، يجب وضعه في تصرف القوى الأمنية اللبنانية.

يبدو أن الوصول إلى صيغة توافقية في هذا المجال صعب المنال داخل لجنة البيان الوزاري، وقد يتأخر الإعلان عنه إلى حين تدخل قادة الكتل السياسية في لبنان، تحت ضغط القوى الإقليمية، التي أسهمت في إنجاح تشكيل الحكومة، للتوافق على صيغة جديدة ترضي جميع الأطراف المتناحرة. وغالباً ما تكون الصيغة الجديدة ضبابية وحمالة أوجه، بحيث يفسرها كل طرف سياسي وفق مصالحه الخاصة.

ختاماً، عكس الإعلان عن حكومة المصلحة الوطنية في لبنان نوعاً من التفاؤل الإيجابي بعودة الحياة السياسية فيه إلى طبيعتها، وتوهم كثيرون أن الظروف باتت ملائمة لخلق مناخات إيجابية تزيل التشنج القائم، وتمهد لإحياء الحوار الوطني بين القادة اللبنانيين حول القضايا الخلافية في لجنة صياغة البيان الوزاري، بصورة توافقية ترضي الجميع.

ومن المهمات الأساسية والمصيرية الملقاة على عاتقها خلال عمرها القصير، إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد دستورياً، والعمل على إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية في لبنان. وبإمكان حكومة وطنية جامعة الاستفادة من الدعم العربي والدولي لقيام وحدة وطنية في مواجهة الإرهاب المتنقل، ودعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى في تصديها للتفجيرات، التي تهدد لبنان. ولا بد من التضامن الحكومي لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة منذ زمن بعيد، وإيجاد حلول عقلانية لمشكلة النازحين السوريين، الذين فاقت أعدادهم قدرة اللبنانيين على تأمين حياة إنسانية لهم، والبحث عن مساعدات كبيرة من الدول العربية، ومن منظمات دولية ترعى شؤون النازحين.

Email