الحلول السياسية للقضية السورية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثلها كمثل جل القضايا العربية، فإن فرص نجاح وساطة سياسية إقليمية أو عربية أو دولية بشأن الأزمة السورية، من الضآلة بمكان. ما مؤتمرا جنيف-1 وجنيف-2، إلا خير دليل على عبثية التفاوض بين الأطراف المتصارعة. ذهاب الطرفين للتفاوض هو فقط محاولة لإحراج الطرف الآخر، ولتبيان موقف سياسي متشدد لكل منهما إزاء كافة المقترحات والمشاريع المطروحة.

لا توجد أرضية مشتركة للطرفين، حتى التي تخص الوطن والشعب السوريين في صميم الصميم. الطرفان يريدان تحصيل ما عجزا عن تحقيقه في ميادين القتال. فشل المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي في التقدم في اتجاه حل سلمي، ولو بمقدار قيد أنملة؛ رغماً عن الجهود المضنية المبذولة والحاجة الميدانية شديدة الإلحاح.

طيلة الأزمة السورية التي تقارب الثلاث سنين، ارتكب الطرفان وبدرجات متفاوتة، انتهاكات خطيرةً ترقى لدرجة جرائم وفظائع ضد حقوق الإنسان. لم يبق من فظيعة إنسانية إلا وارتُكبت ضد الشعب السوري، مادةً ومعنى. ما جلوس الفرقاء حول طاولة واحدة، إلا بمثابة وضع عدوّين غايةً في الشراسة والتشدد؛ لن يجدي معهما الكلام السياسي والدبلوماسي بشأن السلام والتفاهم ونسيان الماضي، القريب والبعيد.

لا يمكن لمراقب لتسلسل الأحداث أن يتخيل حدوث تقدم حاسم أو اختراق، بين طرفين وصل الصراع بينهما إلى درجة محاولة إفناء الآخر. لا المعارضة السورية تعترف بوجود النظام الحاكم، ولا الأخير يود أن يرى معارضةً تتفاوض وإياه على مصيره.

لا مكان للحلول السياسية، ولم يبق للمجتمع الدولي إلا التفكير بطرق عملية لإنقاذ ما تبقّى من الوطن والشعب السوريين. منذ البداية هنالك تدخل خارجي، إقليمي ودولي؛ لكنه يذكي نيران الصراع بطرق وأشكال مختلفة. منه ما هو علني جهري، ومنه ما هو سري أشد مكراً وفتكاً، ثمة أقل حسماً. لكن تدخلاً دولياً قوياً لإنهاء الأزمة السورية، يظل مطلوباً ويزداد الطلب عليه حدةً يوماً إثر يوم. هنالك عقبات وعراقيل أمام ذلك التدخل الدولي، أهمها أن المشكلة السورية قادرة على استقطاب قوى دولية إلى ميادين الصراع. ذلك ما يؤدي إلى زيادة تأزم وتفاقم الموقف، في اتجاه مواجهة دولية قد تصبح شاملةً.

السيناريوهات العراقية والأفغانية، وحتى الإفريقية وغيرها، لا تنطبق كثيراً على الموقف أو الشأن السوري. هنالك خسائر مادية ضخمة، إضافةً إلى الكوارث السياسية وما قد يحل بكتل شعبية ضخمة، في حال قررت الدول الكبرى اللجوء إلى التدخل العسكري.

نتيجةً لذلك سيبقى الشعب السوري يدفع فاتورةً ضخمةً، متمثلةً بالنزف الحاد، البشري والإنساني والاقتصادي. سيبقى المستقبل السوري قاتماً وحتى إشعار آخر، مما يهدد وجود سوريا التقليدي كدولة رئيسية في المنطقة، وكتلة ديمغرافية متكاملة. هنالك نصف الشعب السوري تقريباً بات دون ملجأ أو مأوى أو حتى وطن. لا توجد في الأفق بارقة أمل توحي بقرب انتهاء الصراع الدموي المصيري، بين أطراف النزاع في سوريا.

الوضع الميداني العسكري يميل بشكل واضح لصالح المعارضة. هنالك مكتسبات ميدانية تتحقق وعلى مدار الساعة، تتمثل بالاستيلاء على مواقع عسكرية جديدة، والسيطرة على حواجز أمنية للنظام، والتقدم إلى مدن وقرى وبلدات جديدة وتخليصها من قبضة النظام. أغلب المدن السورية، خاصةً في المناطق المأهولة، تسيطر عليها قوات المعارضة. النظام بدوره يخوض قتالاً شرساً وبشكل يائس، باستعمال براميل الديناميت ضد أهداف مدنية، للحفاظ على مواقعه وبعض مكتسباته الميدانية.

هنالك في الأفق بوادر تشير إلى إمكانية حسم الموقف عسكرياً، بالرغم من مرارة الخيار وعسره داخلياً وإقليمياً ودولياً. السيناريو الليبي هو الأكثر ترجيحاً في الوضع السوري.

العودة بالتاريخ إلى ما قبل الثورة السورية، يسير في حكم المتعذر وبشكل غير عكسي، ولو بخطوات خجولة! لا يمكن للشعب السوري، ومن الطرفين، أن ينسى التضحيات والخسائر الهائلة، ويعود إلى المربع الأول للأزمة.

الموقف الدولي يميل لصالح المعارضة، وذلك ما يعطي نفَساً لها للاستمرار في خط سيرها البطيء في اتجاه آخر معاقل النظام السوري؛ يوماً ما!

Email