هل باتت الإمارات العربية المتحدة بالفعل الدولة رقم واحد في العالم العربي، من حيث قدرتها على الجمع بين طرفي المعادلة الحضارية في القرن الحادي والعشرين؛ أي الأصالة من جهة، والاستنارة والتحديث من جهة ثانية؟ بالقطع ذلك كذلك، وإن تميزت دبي تحديداً بنجاحها في التكيف مع ظروف العولمة الراهنة، لا سيما أن إنجازاتها تمثل بالفعل قدوة في السعي إلى إقامة مجتمع ما بعد النفط في المنطقة.
سر الإمارات العربية المتحدة عامة، ودبي خاصة، يتمحور حول الإنسان، الذي هو القضية، وهو الحل، وهو الأمر الذي وضع يديه عليه "زايد الخير"، رحمه الله، ومن بعده سار قادة الإمارات على دربه.
الذين استمعوا واستمتعوا بالحوارات، التي جرت في فندق الجميرا في دبي مؤخراً، حول القمة الحكومية الثانية، خرجوا وفي رؤوسهم أسئلة عديدة حول التجربة الإنسانية العميقة، التي حولت الإمارات من مجتمع البداوة، على أصالتها إلى مجتمع الحضر مع تعقيداته، من دون إغراق في تغريب أو استشراق.
في مقدمة تلك الأسئلة؛ هل يمكن بالفعل تصور تعميم هذا المنهج، وتلك التجربة التي اتبعتها الإمارات، في كافة دول الإقليم مع ضمان نجاحات مماثلة؟ وما الشروط الداخلية والخارجية التي قد تتيح مجالاً لمثل هذا التطور؟ وما المعوقات التي قد تحول دون إنجازه؟
حديث الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، حديث استثنائي بالفعل لقائد استثنائي، وهو أمر لا يدهش أحداً؛ فهذا الشبل من ذاك الأسد، إذ لم يكن زايد الخير رجلاً عادياً، بل كان أباً استثنائياً، وزعيماً متفرداً، وقائداً حكيماً، محبوباً من شعبه، وكافة شعوب المنطقة.
صورة الفتاة الصغيرة، التي وفر لها الأب ما تحتاج إليه وهي تتسنم جملاً في صحراء الإمارات، ومقاربتها، التي قدمها الفريق الشيخ سيف مع الخدمات، التي تسعى حكومة الإمارات، لتقديمها لشعبها، هي سر نجاح التجربة الأول والأخير، إذ وضع البشر قبل الحجر، والإنسان فوق القمة، ولهذا جاء حساب الحصاد مواكباً وموافقاً لحساب الحقل، الذي بذرت فيه ثمار المودة والأصالة، وجمعت لاحقاً مع الجد والاجتهاد.
تتحدث الأدبيات السياسية الأميركية أبداً ودوماً عمن يسمون "الآباء المؤسسون"، ويحق للأميركيين بالفعل أن يفاخروا بأسماء من عينة بنيامين فرانكلين، وتوماس جيفرسون، وأبراهام لنكولن، والآن يقينا، يحق للعرب عامة والإماراتيين خاصة، أن يتناولوا سيرة ومسيرة الزعيم الكبير الشيخ زايد بن سلطان، بوصفه لا من الآباء المؤسسين للإمارات فحسب، بل من الآباء المؤسسين لنهج عربي، قوامه الاعتدال والحكمة من جهة، والصدق والشفافية من جهة أخرى، والإنسانية والعروبة من ناحية ثالثة.
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن تحليل كلمة الفريق سيف بن زايد، التي أحسب أنها كلمة استثنائية في سياق الرؤى التنويرية الساعية لمستقبل عربي حقيقي، نابض بالأمل، مزدهر بالعمل، غير أن حديثه عن مصر بشكل خاص يقتضي وقفة واجب ووفاء. كانت مصر حاضرة وبقوة في كلمة القائد الاستثنائي، إذ قال: "مصر غالية علينا، وكانت غالية على الراحل الشيخ زايد بن سلطان مؤسس دولة الإمارات.
الشيخ زايد قام بإرسال ابنه البكر، وولي عهده حينها الشيخ خليفة إلى الجبهة إبان حرب أكتوبر عام،1973 للوقوف على احتياجات الحرب هناك، وذلك يدلل على مكانة أرض الكنانة في قلوب قادة الإمارات وشعبها، وأي اعتداء على مصر وشعبها هو عدوان على الإمارات وشعبها، كما يدلل على ذلك حرص الوالد المؤسس على إعداد قائد استثنائي للمستقبل".
ماذا تعني تلك الكلمات؟ إنها تعني ثبات الموقف الإماراتي التاريخي الداعم لمصر، وهي تمر بأصعب الظروف، وأشدها في تاريخها المعاصر.
التصريحات تعكس ما حلم به العرب طويلاً؛ حلم الوحدة، وهي وحدة لا ولن تتحقق بالشعارات الجوفاء والمؤتمرات الخطابية، من دون فعل على الأرض، فعل ديمومة يغير الواقع، ويشكل المستقبل، وهو ما قامت به الإمارات بالنسبة لمصر والمصريين
. فلم يكن الحديث عن دعم مصر والوقوف من حولها قرع طبول جوفاء، بل دعم معنوي وأدبي ومالي، شهدت به وقائع عديدة، ولا تزال أيادي الإخوة الإماراتيين ممدودة، من أجل مساندة مصر، حتى تستكمل خريطة الطريق، وتصل إلى بر الأمان.
هل كانت القمة الحكومية الثانية في دبي، التي هي نتاج وطني خالص، هدية من الإمارات لبقية حكومات العالم، ومنتدى عالمي لتطوير علم الإدارة الحكومية، بهدف خدمة البشرية، على حد تعبير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رائد القيادة الاستثنائية في دبي، خلال كلمته الافتتاحية لأعمال القمة؟ الجواب يمكن الوصول إليه من متابعة ردود الفعل الإيجابية، التي تولدت عند المتابعين لأعمال القمة من كافة دول العالم، وقد كانت القمة أفضل ترويج ذكي لنجاح تجربة عربية.
قد تكون الوحيدة من نوعها، خلال العقود الستة الماضية، ولولا ارتباط التجربة في ذهن الأب المؤسس، ومن بعده أبناؤه وأحفاده من القادة الاستثنائيين، بمفاهيم الأمن والسلامة المرتبطين بالعدالة، وتنمية الوطن ورفاه المواطنين، لما تحققت حتماً تلك النجاحات.
لماذا تقدمت الإمارات وتخلف غيرها؟ سؤال على غرار ما طرحه الأمير شكيب أرسلان عن أحوال العرب بين التقدم والتخلف، قبل مئة عام، وكانت الإمارات الاستثناء. سمو الشيخ سيف بن زايد؛ من عمق قلوب المصريين، شكراً لك من القلب، وشكراً للإمارات حكومة وشعباً، وأدام الله أخوة صادقة غير منحولة، حفظك الله.